fbpx
الحياة الأدبية بتطوان في عهد الحماية : 1912 - 1956

الحياة الأدبية بتطوان في عهد الحماية : 1912 – 1956

نشطت الحياة الأدبية بتطوان نشاطا ملحوظا خلال هذه الفترة وخاصة الواقعة ما بين عام 1926 و 1956، ويرجع هذا إلى جملة من العوامل التي أثرت على الواقع الثقافي و الإجتماعي والسياسي لهذه المدينة خاصة و المغرب عامة.

و لعل أهم الأحداث السياسية المؤثرة في المجال السياسي الحرب الريفية ونتائجها التي أظهرت مقدار بطولات المغاربة، ومدى تشبتهم بالحرية و المقومات الدينية للأمة، ثم الحرب الإسبانية التي شارك فيها الجندي المغربي وأكسبت المغاربة مكانة عند الحكم الفرنكفوني الوطني الذي حكم إسبانيا بعد حرب 1936، ثم الحركة الوطنية المغربية التي طالبت بالاستقلال بقيادة الملك محمد الخامس -طيب الله ثراه- والتي انبثقت عن التجمعات الوطنية الأولى أواخر الثلاثينات.

وأما المجال الاجتماعي فهو مجال معقد، لكنه مع ذلك يبدو في جملة الأوضاع الجديدة المتمثلة في التدخل الأوروبي والتي تفاعلت مع المجتمع التقليدي المغربي المسلم المحافظ الذي لم يرض بواقع التبعية و الاستغلال و التأخر الذي كرسه التدخل الإستعماري بالمغرب وخاصة التدخل الإسباني الذي لم يأت معه بتوسع إقتصادي و بحركة تجارية نافعة ولا باستغلالات إقتصادية جيدة، بل ضايق المغاربة إقتصاديا، وتميز بالرتابة في مجال المعاملات، فكان اقتصاد المنطقة الخليفية يعاني من الركود و التهميش و العجز حتى في ميدان المحافظة على مستوى نشاط البنيات الإقتصادية الداخلية فيما يتعلق بالتجارة و الفلاحة والصناعة التقليدية وهذا ما جعل آمال أبناء المنطقة، تتعلق بمطالب الإستقلال و الوحدة.

وصارت الثقافة وسلية من وسائل الخطاب الوطني الهادف الى الخروج من المأزق الإستعماري، ووظف المثقفون و العلماء معارفهم في مجال التوعية السياسية بقضية البلاد وحاجاتها و طموح أبنائها. وكان الأدب نثرا و شعرا يعالج هذه الأوضاع بما كان الكتاب ينشرون على صفحات المجلات و الصحف التي أتيح لها أن ترى النور في هذه الفترة، لكن قيام الأدب بهذا الدور لم يأت طفرة، ولم يكن أمرا وليد صدفة، وإنما يرجع ذلك إلى جملة من العوامل الثقافية التي أدت إلى إزدهار الحركة الأدبية والثقافية و مواكبتها الريادية للتطور السياسي و الإجتماعي في تطوان خاصة والمغرب عامة، و يمكن تخليص المؤثرات الثقافية المذكورة في النقط الآتية :

1 – وجود صحافة متنوعة متمتعة بقدر كبير من الحرية الفكرية و السياسية التي حصلت عليها منطقة الشمال منذ الحرب الإسبانية، و التي كانت تفوق في أهميتها الحريات التعبرية التي كان الإسبانيون أنفسهم يتمتعون بها في بلادهم، ومن المجالات التي لها باع طويل في هذا الميدان “مجلة السلام” (1933م) لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ المؤرخ محمد داود، ومجلة “المغرب الجديد” (1935م) وكان يتولى تحريرها الشيخ محمد المكي الناصري و مجلة “الإرشاد الديني” (1939م) للأستاذ محمد الطنجي، و مجلة “الأنيس” (1946م) ومجلة “لسان الدين” التي أسسها الدكتور محمد تقي الدين الهلالي عام 1946م ثم تولى رئاسة تحريرها العلامة عبدالله كنون و مجلة “الأنوار” (1946م) التي تولى تحريرها الأستاذ أحمد مدينة ومجلة “المعرفة” (1946م) للأستاذ حسن أحمد المصمودي، ومجلة “المعتمد” (1948م) التي كانت تصدر بالإسبانية و العربية و مجلة “القوانين المغربية” (1954م) للأستاذ موسى عبود و مجلة “الحديقة” (1955م) للأستاذ محمد بوخبزة، و من الصحف التي أصدرها الأستاذ عبد الخالق الطريس وكان يتولى تحريرها بنفسه ثم أشرف على تحريرها التهامي الوزاني ابتداء من العدد 32 عندما أسندت للأستاذ الطريس وظيفة مديرية أحباس المنطقة، و صحيفة “الأخبار” (1936م) للأستاذ محمد داود، وجريدة “الريف” التي تولى تحريرها الأستاذ التهامي الوزاني، و جريدة “الوحدة المغربية” (1937م) للأستاذ الشيخ محمد المكي الناصري، وجريدة “النهار” (1947م) التي كانت تصدر باللغتين الإسبانية و العربية وجريدة “الدستور” (1948م) للأستاذ إبراهيم الوزاني، و جريدة “الأمة” (1952م) لسان حزب الإصلاح الوطني وكان يتولى رئاسة تحريرها الأستاذ محمد الخطيب، و جريدة “الشهاب” (1946م) للأستاذ محمد العربي الشويخ.

2 – الوعي الوطني الذي عم المغرب والذي كانت تطوان مسرحا و مركزا هاما من مراكزه باعتبارها عاصمة المنطقة، وهو الذي كان يحفز الكتاب و الشعراء للعمل من أجل استنهاض الهمم و الأخد بأسباب التقدم و العمل على استكشاف الهوية الإسلامية و القومية من خلال الدراسات التاريخية و التراثية و الإجتماعية و السياسية التي كانوا ينشرونها في صحف تطوان و مجلاتها.

3 – إن المدينة كانت مركز لقاء الوطنيين المثقفين الشماليين بالوطنيين المثقفين اللاجئين من الجنوب المغربي وغير الاجئين منهم، فتلاقحت الأفكار و تبادل الجانبان التأثير، و تعاهد الفريقان على إذكاء شعلة النهضة و الثقافة،و تبارى الكل في مجال الإنتاج الأدبي و العلمي، وظهر ذلك على أعمدة الصحف و المجلات التطوانية، و من بين الشخصيات الوطنية القادمة على تطوان من جهات أخرى و التي كان لها ذلكم التأثير الكبير العلامة السلفي الشيخ أبو شعيب الدكالي الذي زار تطوان عام 1929م و العلامة الشيخ عبد الرحمان بن القرشي الذي دخلها عام 1934م و العلامة المؤرخ عبد الرحمان بن زيدان الذي دخلها كذلك عام 1927م، ومن هؤلاء الأعلام الكبار الذين كان لهم تأثير بارز على الحياة العلمية والثقافية بها العلامة الشيخ محمد المكي الناصري و العلامة الأديب الشاعر أخوه محمد بن اليمني الناصري و الأستاذ الكبير العلامة علال الفاسي و أستاذنا العلامة عبدالله كنون، و العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي، و الأديب الشاعر الأستاذ إبراهيم الإلغي و الأستاذ المؤرخ عبد الوهاب بن منصور.

4 – وجود نهضة قومية في البلاد العربية و نشاط قومي يدعو إلى محاربة التخلف وإلى التضامن و مقاومة الإستعمار وتعاون الدول العربية لإحياء ماضيها المجيد وتراثها الخالد وعقيدتها الإسلامية السمحاء، و كانت أصداء هذه النهضة تصل إلى أسماع التطوانين وأهل المغرب عن طريق الصحف و الإذاعات و تبادل الزيارات، ومن أشهر هذه الزيارات تلك التي قام إلى تطوان الأمير شكيب أرسلان و الأمين العام للجامعة العربية عبدالله حسونة و الكاتب اللبناني أمين الريحاني و الأستاذ أحمد الشقيري ووزير الأحباس المصري أحمد حسن الباقوري وغيرهم، و كذلك بواسطة البعثات الطلابية التي اتجهت إلى الشرق للدراسة.

5 – التشجيع المادي الذي كان يجده الأدباء من مؤسسات ثقافية حديثة كانت تطوان مركزا لها، مثل معهد مولاي الحسن للأبحاث و معهد الجنرال فرانكو للدراسات المغربية و الأندلسيةـ وكانتا تخصصان جوائز للمؤلفين و الأدباء الذين يتشركون في مسابقاتها، كما كانتا تقومان بطبع المؤلفات بالعربية و الإسبانية وأعمال الترجمة إلى اللغتين، و خاصة في مجال البحث عن التراث المغربي و الأندلسي.

6 – الإحتكاك بالثقافة الإسبانية عن طريق الترجمة و الزيارة و الحوار، حيث اطلع الأدباء المغاربة على عيون الأدب الإسباني و الحركة الأدبية الإسبانية ووسائل نهضتها وتقدمها، و من الذين كانت لهم مشاركة فعالة في هذا المجال الأساتذة محمد العربي الخطابي والتهامي الوزاني وعبد اللطيف الخطيب و امحمد عزيمان و محمد الرحيم جبور وموسى عبود وألفريد البستاني وعبدالله العمراني ونجيب أبو ملهم.

7 – أعمال جمعيتين مغربيتن، برزتا في مجال النشاط الأدبي و الثقافي، وهما جمعية الطالب المغربية التي الطالب المغربية التي أسسها الطريس و رفاقه عام 1932م والتي كانت تنظم ندوات و محاضرات ولقاءات ثقافية مهمة و التي كانت تتعرض من وقت لآخر لمضايقات استعمارية بغضة، وجمعية نادي الوحدة المغربية التي أسسها الشيخ المكي الناصري عام 1937م، وقرر أن يكون مقرها ناديا ثقافيا صرفا..، ومركزا للأخوة الإسلامية.. ومركزا للثقافة و التهذيب التربية القومية الصحيحة، ونظم هذا النادي على غرار جمعية الطالب لقاءات ثقافية: ندوات و محاضرات و حفلات تكريمية وغير ذلك، فبرزت في الجمعيتين مواهب الشبان الوطنيين الثقافية والأدبية وانعكس ذلك على الوضع التعليمي و الأدبي والصحافة التطوانية.

تلك أهم العوامل الثقافية التي ساهمت في إذكاء النشاط الأدبي وتوجيه الحياة الأدبية بهذه المدينة التي تألف بها أدباء مغاربة في مجالات النثر و الشعر، والذين علوا أعلام النهضة الحديثة التي عرفها المغرب المعاصر قبل الإستقلال وبعده.

وقد أقبل الكتاب والشعراء في هذا الجو الذي وصفت وبسبب التشجيع الذي كان يجدونه من أهل الكتابة و النظم على تدبيج المقالات الأدبية الجيدة وتحرير القصائد المهمة البديعة وأرتقى في الكتابة وازدهر الشعر وصارت الجرائد و المجلات تنقل لقرائها إنتاجا أدبيا متنوعا مما حررته أقلام الأدباء سواء كانوا من تطوان أو من غيرها من المدن المغربية، و هكذا صار لمعظم فنون الأدب كتاب وشعراء ياتون بالجيد في مضمار الإنتاج النثري و الشعري، وتخصص بعض الكتاب في نوع من أنواع البحث و الفنون الأدبية، وهكذا كان للمقالة السياسية كتاب يعالجون قضايا السياسة وأوضاعها العامة اقتصادية واجتماعية. من كتاب المقالة السياسيين الذين أشتهروا على أعمدة صحافة تطوان عبد الخالق الطريس و محمد المكي الناصري و التهامي الوزاني و من كتاب المقالة الأدبية عبدالله كنون و محمد المكي الناصري و التهامي الوزاني وعبد الخالق الطريس ومحمد داود و محمد بتاويت وعبدالله العمراني ومحمد العربي الخطابي ومحمد الصباغ و محمد العربي الشاوش و أحمد مدينة و أمحمد عزيمان، ومن الكتاب الذين اشتغلوا بالترجمة لآثار الثقافة العربية الإسبانية الأساتذة التهامي الوزاني وعبد الغفور الفقاي و امحمد عزيمان وعبداللطيف الخطيب، ومن كتاب المقالة الدينية عبدالله كنون و التهامي الوزاني محمد تقي الدين الهلالي ومحمد الطنجي و محمد حدو أمزيان و محمد الأمين التمسماني و محمد الغازي الرويفي ومحمد حجاج و أبو طاهر آل عزيز.

و انصرف محمد الصباغ إلى الرمزي الشاعري عن النفس وخلجاتها و خواطرها و تصوراتها، متأثرا بمدرسة شعراء لبنان في وطنهم الأصلي ومهجرهم أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة و بولس سلامة، و كان الأستاذ محمد العربي الخطابي يعنى بالأدب شعرا ونثرا والنقد لآثار الكتاب و الشعراء و الترجمة من الإسبانية إلى العربية، وكان الأستاذ عبدالله العمراني يكتب عن تاريخ المغرب وجغرافيته ويترجم من الأدب الغربي إلى العربية، ويشارك في المناقشات النقدية.

وكان الأستاذ الطريس أديبا مهما و كاتبا كبيرا وخطيبا مفهوما، و كان يكتب في الأدب معرفا بتياراته ورجاله كما كانت له مشاركة في المجال المسرحي بمسرحيته الإجتماعية “إنتصار الحق بالباطل”.

وكان الشيخ محمد المكي الناصري من الطبقة المجلية في الميدان السياسي و الأدبي و الخطابي، إذ كان كاتبا كبيرا وعالما محققا وخطيبا بارعا وشاعرا مجيدا.

ويمكن أن ينقسم التيارات الأدبية التي كان لها تأثير في الأدب بتطوان إلى ثلاثة:

1 – تيار الأدب الشرقي، و يشمل الأدب المصري و الأدب اللبناني و الشامي و الأدب المهجري.

2 – تيار الأدب الغربي و الإسباني الذي نهل منه بعض أدباء العصر وأثر على إنتاجهم ووسع دائرة معارفهم الثقافية وأعمالهم الأدبية.

3 – تيار الأدب الوطني التقليدي الذي عرفته البلاد قديما و حديثا على يد علماء القرويين و مراكز الدراسات الدينية والأدبية و الأصيلة بالمغرب، و كانت تطوان في هذه من أهم مراكزه.

ولقد كان النثر الذي يستعمله الكتاب عدا أشخاص بعدون على رؤوس الأصابع هو النثر الحديث المتحرر من قيود البديع و خاصة قيود السجع التي تميز أسلوب الأدب العربي في عصر الإنحطاط، وكان هذا النثر يتفق حيوية ويعبر عن الأفكار و المشاعر تعبيرا دقيقا، لا تكلف فيه ولا تعثر، وكان هو أسلوب الكتابة الأدبية والصحفية بالمشرق العربي، ولهذا لا يكاد أحدنا يفرق بين أسلوب الكتابة الذي كان يستعمله الكتاب المغاربة للفترة في البقعة من الوطن العربي الإسلامي وبين ما كان يكتب في الصحافة الراقية بالمشرق، إلا أنه توجد مع ذلك خصائص تتميز بها الكتابة المغربية لصحافة تطوان في هذه الفترة، فالموضوعات تتعلق بالقضايا المغربية وأكثر الأبحاث تدور حول الثقافة المغربية الأندلسية و المجتمع المغربي بفضائله وعيوبه، والشخيصية الكامنة وراء هذا كله هي الشخصية المغربية التي كانت تطمح إلى غد أفضل.

وإلى جانب هذا النثر الطليق الذي كان الأسلوب المفضل والغالب على الأدباء كان هناك أدباء وكتاب يعملون خاصة في ديوان الحكومة الخليفية يتقنون في النثر على طريقة الحريري والهمداني وابن الخطيب والقاضي الفاضل وغيرهم، و من أشهر أدباء هذا النمط الشاعر الوزير و الكاتب الأديب محمد بن موسى.

وكان النوع الأدبي الذي غلب على أدباء الفترة هو في المقالة الذي كان يعالج قضايا تاريخية وإجتماعية وسياسية وعلمية، ومن الأنواع الأدبية التي ظهرت بندرة في السيرة الذاتية و المراسلات الأدبية، و المثال الوحيد عندنا لأدب السيرة الذاتية هو كتاب “الزاوية” للأستاذ التهامي الوزاني الذي سجل فيه أحداث طفولته إلى أن بلغ مبلغ الرجال والتحق بالزاوية الحراقية ليتعلم التصوف على يد شيخها. وكانت هناك مراسلات متبادلة بين زعماء الحركة الوطنية لهذه الفترة بين أدبائها وفي مقدمتهم الحاج عبد السلام بنونة و الطريس و الشيخ محمد المكي الناصري ومحمد داود وغيرهم، و قد أخرج الأستاذ الصباغ نوعا فنيا آخر من الرسائل الأدبية الخيالية، وهي رسائله إلى فتاة مسيحية لبنانية، معبرة عن حبه وهيامه بها وضمن ذلك كتابه “اللهاث الجريح” ومن هذه الأنواع الأدبية التي تحتاج إلى مهارة في الصناعة لقيامها على عناصر التشويق وترابط الأحداث والوقائع وتأزم العلاقات الفردية والاجتماعية و التخلص بعد هذا من ذلك كله و انفراج الأحداث بحلول يصل إليها القاص فصلا عن المهارة في السرد الأدبي و الصياغة البيانية.

وكانت القصة القصيرة هي الفن الأدبي الذي أقبل عليها أدباء المدينة وتميزوا به، وهو في أغلبه قصص اجتماعي مرتبط بالمجتمع المغربي التطواني على الخصوص وذو غاية إصلاحية نقدية، ومن بين الذين كتبوا هذا النوع الأدبي الاجتماعي الأساتذة محمد الصادق الخياط ومحمد الخضر الريسوني. وأحمد البقالي وعدا هذا القصص الإجتماعي هناك قصة تاريخية، ونموذجها الوحيد فيما وقفت عليه -قصة “الملكة خنانة” لآمنة اللوه، و هناك القصة الفلسفية، وليس لها مثال- فيما وقفت عليه كذلك – إلا قصة “سليل الثقلين” للأستاذ التهامي الوزاني، وهي قصة مكتوبة بأسلوب أدبي سلس تعمد صاحبه السذاجة في الوصف، ويرقى هذا الأسلوب في بعض الفقرات وتعقد المواقف و تأزمها وإثارة تفكير القارئ في أمر هذا الصراع الذي يوجد في واقع الناس بين عوامل للصلاح وعوامل الفساد و الخير والشر، كما يحث على التفكير في وفاء المرأة وغدرها، وربما يكون هذا الموضوع من الدوافع الأساسية التي حنت الكاتب على إبراع هذه القصة.

وكانت المسرحية من الأنواع الأدبية الجديدة التي ظهرت بتطوان في هذه الفترة، ويرجع ظهورها إلى عوامل التأثر بالثقافة الأجنبية الوافدة وإلى عوامل الثقافة المغربية المتمثلة في الاحتفالات الموسمية التي كانت لا تخلو من عرض للوحات مسرحية شعبية أصيلة، وكان الإسبان أنشأوا مسرحا بتطوان عند احتلالهم المدينة أول مرة عام 1860م قريبا من المشور وكان يطلق على هذا المسرح إسم “الملكة إيزابيل الثانية” وقد توالى فيه عرض المسرحيات اللسان الإسباني، وكان بعض المغاربة يحضر تلك العروض، وبعد الاحتلال الإسباني الثاني للمدينة في بداية القرن العشرين، أنشأ الإسبان “مسرح الملكة فيكتوريا” وهو الذي صار يعرف بأسم “المسرح الوطني” كما أنشأوا بعد هذا مسرحا آخر في الهواء الطلق أطلقو عليه اسم “سينيما بارك” وصار بعد بنائه يعرف “بالمسرح الإسباني” وقد زارته الكثير من الفرق الأندلسية و الأوروبية، كما زارت تطوان فرق مسرحية شرقية مثل فرقة عزيز و رشدي وكان من أثر ذلك ظهور فرقة الطالب المغربي المسرحية، ومكنت بعض البعثاث الطلابية المغربية للخارج الطلبة المغاربة من الإطلاع الواسع على هذا الفن والتأثر به ومحاولة محاكاته و تقليده، وكذلك يمكن القول بأن وجود أساتذة شرقين بالمدينة في هذه الفترة كان من أسباب التأثر بهذا الفن ومعرفته ومحاولة إنشائه.

وأغلب الظن أن تكون أول مسرحية مكتوبة لمؤلف تطواني هي مسرحية “انتصار الحق بالباطل” التي أنشأها الأستاذ الطريس و أصدرها عام 1933م، وقامت بعرض هذه المسرحية لأول مرة فرقة المعهد الحر عام 1936م، وهي تعرض للصراع الفكري بين جيلين: جيل قديم متمسك بالماضي المعارض لأي تطور اجتماعي و علمي، وجيل جديد منفتح على التطور، معجب بالتقدم الذي حدث في أوروبا في المجالات العلمية و الفكرية وقد سجل المؤلف هذا الصراع في ثلاثة فصول تتميز بما فيها من حوار هادئ متعقل و سخرية مكتومة، ونقد لاذع للأوضاع الاجتماعية المتردية ودعوة لمحاربة الانحرافات وأنواع الشعوذة القائمة في المجتمع التطواني والمغربي.

ولم تكن المسرحية المذكورة إلا باكورة الأعمال المسرحية التي جاءت بعدها والتي عالجت بدوها قضايا اجتماعية مهمة، والتي اتخدت من المسرح وسلية الرقابة الاجتماعية على أعمال الناس وخواطرهم واختياراتهم و مواقفهم، بغرض التنبيه للعيوب والوقوف الساخر على مكامن الانحراف عيوب النفس وأخطار التطور الاجتماعي، ومن هذه المسرحيات مسرحية “مصالح الوطن على عاتق الشباب” للحسين أفيلال، ومسرحية البائسة له أيضا، وهي تعالج مشاكل البغاء وتعاطي الخمور، ومسرحية “رجال المستقبل” للأستاذ محمد العربي الشاوش، وهي تهدف إلى دعوة الشباب للعلم والتربية، و مسرحية “أملنا فيكم أيها الشباب” له أيضا، ومسرحيات “مرحلة الغفلة” و “فتاة في زي رجل” و “زيب بنت الفقيه” و “رسالة تطوان” للكاتب الأديب محمد العمارتي. وكتاب “رحلة الوزير في افتكاك الأمير” للوزير الغساني وكتاب “الرحلة المكية” لمحمد الرهوني مؤرخ المدينة.

بقلم : الدكتور إدريس خليفة
المراجع :
د.إدريس خليفة - الحياة الأدبية بتطوان:النثر الفني (1912-1956) في تطوان في عهد الحماية 1912-1956، مجموعة البحث في التاريخ المغربي والأندلسي، كلية الآداب-جامعة عبد المالك السعدي- بتعاون مع منشورات المجلس البلدية لمدينة تطوان، 1992.
اترك تعليقك
تعليق
اسم
بريد إلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.