fbpx
عبد الخالق الطريس

عبد الخالق الطريس

من كبار زعماء الحركة الوطنية بالمغرب، ولد بتطوان و نشأ بها، و بها كان معظم نشاطه في الميادين الوطنية و الثقافية و الاجتماعية، كان جده وزيرا للخارجية في عهد السلطان المولى الحسن الأول، وكان والده أحمد من أعيان المدينة ووجهائها.

ولد عبد الخالق الطريس يوم 16 جمادى الأولى 1328ه موافق 26 ماي 1910، و عندما بلغ سن التعليم أدخله والده إلى كتاب الفقيه السيد محمد بن تاويت بحي الترنكات حيث حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وأخد شيئا من مبادئ القراءة و الكتابة وغيرها على السيد الحاج العربي الخطيب ثم على الأستاذ المؤرخ محمد داود بمنزل هذا الأخير إذ كان يختلف إلى منزله و يقرأ عليه.

والتحق بالمدرسة الابتدائية التي أسسها الأستاذ داود سنة 1343ه – 1925م و التي تعرف بالمدرسة الأهلية و كانت أول مدرسة إبتدائية حرة بتطوان، و قد أظهر الطريس فيها ما كان يمتاز به من ذكاء وقدرة على التحصيل و الإجتهاد و المثابرة، و فاق أقرانه في تلك الخصال، و عندما أتم دراسته الإبتدائية تاقت نفسه إلى المزيد من العلم، فتوجه إلى فاس للدراسة بالقرويين، وبها تعرف على عدد من طلاب الدراسة التقليدية و العصرية كالأستاذ علال الفاسي وغيره، وكان الوسط الفاسي الديني بالقرويين يومها مشبعا بالفكرة السلفية وروح النهضة و الوطنية، فتأثر بذلك، و رسخ أمره في ذاكرته، و كان ذلك من ينابيع الفكرة الوطنية لديه.

ثم ما لبث أن تطلع للإرتشاف من مناهل التعليم الحديث، و كانت الأنباء عن نهضة الشرق العربي علميا و ثقافيا تصل إلى تطوان و المغرب، فقرر الإلتحاق بالمشرق، فسافر إلى القاهرة عاصمة مصر، و درس بجامعتها، حيث اشتغل بدراسة الفلسفة و الأدب و الفكر العربي و الغربي، وكان يلازم دروس الدكتور طه حسين و غيره من رجال النهضة المصرية.

وأراد بعد ذلك أن يطلع على الفكر الغربي و الحضارة الغربية من أوروبا مباشرة فذهب إلى باريس للدراسة بالسربون و اغتنم وجوده هناك للإطلاع على أحوال فرنسا و أهلها و طبيعة المجتمع الفرنسي و علاقات هذا البلد بالمغرب و التيارات الإجتماعية و الثقافية التي كانت سائدة فيها في تلك الفترة ووطد علاقته مع عدد من رجال الفكر من عرب و مغاربة و فرنسيين، و شارك في تأسيس طلبة شمال إفريقيا.

وعاد بعد ذلك عام 1932م إلى مدينة تطوان ليعمل في الحركة الوطنية إلى جانب الأستاذ محمد داود و الحاج عبدالسلام بنونة وعدد آخر من رجال الحركة الوطنية، وكانت له في هذه الفترة مشاركة بارزة في حث الشباب على النهضة وإغرائهم برفع الصوت ضد المعمر وتوجيههم إلى طلب العلم والدرس وعمل في نطاق الكتلة الوطنية بشمال المغرب، وكان من جملة الأفكار التي اقترحها على رجال الحركة الوطنية أن يقوموا بتأسيس جمعية ثقافية، وهكذا تأسست جمعية الطالب المغربية في 12 يوليوز 1932م وقد كان نادي هذه الجمعية مركزا للإشعاع الثقافي والحضاري بمدينة تطوان، يقصدها المواطنون المثقفون من جهات المغرب، وقد تولى الأستاذ الطريس رئاسة مجلسها الإداري الأول، و ألقى بها أول محاضرة له بتاريخ 2 يناير 1933م وكان عنوانها “حياة وسطنا المثلى”.

وأصدر في مارس 1934م جريدة الحياة الأسبوعية، وكانت أول صحيفة وطنية تصدرها كتلة الشمال باللغة العربية، و كانت مقالات الطريس فيها من أبرز المقالات التي كانت تنشر فيها، و أحسنها أسلوبا و أجودها موضوعات وأكثرها استيعابا للأوضاع السياسة و الإجتماعية التي كان يمر بها المغرب آنذاك و عندما قامت الجمهورية الإسبانية العمالية الاشتراكية وأراد الوطنيون مداخلة رجالها من أجل الاعتراف بالحقوق المشروعة للمغرب في السيادة و الاستقلال، وقع الاختيار على الطريس ليرافق الحاج عبد السلام بنونة في مفاوضة الإسبان لصالح القضية الوطنية، وقد بذل الأستاذ الطريس مجهودات جبارة لصالح التعليم الحر، وبفضل ذلك تأسس “المعهد الحر” الذي كان مدرسة إبتدائية وطنية، وقد ثم افتتاحه عام 1935م.

وقد ترأس حزب الإصلاح الوطني الذي تأسس بعد مرحلة من العمل الوطني في نطاق الكتلة الوطنية الشمالية، و كان ذلك عام 1936م، وقد شارك الطريس أثناء هذه الفترة التي تميزت بالانقلاب اليميني الإسباني الذي أدى إلى الإطاحة بحكومة العمال في الحكومة الخليفية التي تولى فيها منصب وزير الأحباس، و كان غرضه أن يصلح هذه المؤسسة و إصلاح الأوضاع الإجتماعية بواسطة أطرها ووسائلها، لكنه اكتشف ان الإسبان كانوا يضعون العراقيل في طريق إنجاز ما كان يؤمله، ويريدونها وزارة صورية بدون اختصاصات حقيقية، فتخلى عن المنصب الصوري و عاد للعمل في الميدان السياسي على رأس حزب الإصلاح الوطني.

وفي هذه الفترة أسس منظمة الفتيان، التي كان الغرض منها تأطير الشباب و إعداده لتحمل مسؤولياته الوطنية، و كان أفرادها يلبسون بذلة خضراء قاتمة اللون، و كانت لها فروع في مدن المغرب الشمالي، و كانت تطلق على فرقها أسماء الأبطال المغاربة كمولاي إدريس ويوسف بن تاشفين وعبدالله المومن بن علي وغيرهم، باعتبار الطريس قائدا صار يطلق عليه اسم الغازي الطريس، وكان يلبس لباس الفتيان الذي كان يتميز بالأوسمة و الأشرطة التي تدل على الرياسة والامتياز.

وفي سنة 1941م زار ألمانيا النازية، وكان الغرض من الزيارة أن بجس نبض السياسة الألمانية ليعرف نواياها تجاه المغرب وصدق ما كانت تدعيه من وقوفها إلى جانب الحقوق المغربية، في التحرر و الإستقلال، و بسبب هذه الزيارة وما كان للطريس من مواقف صريحة ضد الحماية الفرنسية بالمغرب، أضمر له الفرنسيون الشر زحقدوا عليه وحاكموه في محكمة مكناس العسكرية التي أصدرت عليه حكما غيابيا بالإعدام عام 19944م، وفي عام 1947م وقف الطريس خطيبا أمام الملك المغفور له محمد الخامس في مدينة طنجة أثناء زيارته الشهيرة لها، وأظهر ما كان يخالج أفئدة الشباب المغربي من طموح وعزيمة على تحقيق الآمال الوطنية الغالية في الحرية و الاستقلال، وقدم لجلالته هدية سنية ترمز إلى وحدة المغرب شمالا و جنوبا.

وسافر بعد ذلك إلى القاهرة للدفاع عن القضية المغاربية، أثناء وجوده فيها تمكن المجاهد البطل محمد عبدالكريم الخطابي من الإلتجاء إلى مصر، وكان لبيت المغرب و للأستاذ الطريس دور في هذه الحركة التي عادت على الوطن بالخير العميم حيث أخدت الأنظار تتجه إلى تحديد مسار القضية المغربية بعدما وجد الوطنيون المغاربة في مصر كل التأييد من هذه الدولة الإفريقية العربية ومن العالم العربي الإسلامي، وكانت السلطة الإسبانية الحامية بشمال المغرب تراقب تحركات الطريس في هذه الفترة وتتوقع أن يكون لنشاطه آثار غير حميدة على وجودها بالمغرب، ولذلك قررت أن تمنع دخوله للمنطقة التي تحكمها بعدما عاد للوطن في فبراير 1948م، وقد كان هذا سببا في قيام مظاهرات واضطرابات بالمدينة، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

وقد شارك الأستاذ الطريس عام 1951م مشاركة فعالة في وضع الميثاق الوطني بين أحزاب الجنوب والشمال، وذلك في اللقاء الذي تم بين تلك الأحزاب في مدينة طنجة، وعندما انفجرت العلاقات المغربية الإسبانية عام 1952م بعد الرغبة التي أبداها الإسبان في التعاون مع العالم العربي لكسر طوق العزلة الأوروبية التي كانوا يعانون منها، أذن للأستاذ الطريس في العودة إلى تطوان، وذلك بعدما عينت الحكومة الإسبانية مقيما عاما جديدا بالمغرب، هو الجنرال غرسيا بالينيو، فرجع إلى العمل في صفوف حزب الإصلاح للدفاع عن مصالح الأمة المغربية وفضح مناورات الإستعمار، وعندما وقعت الأزمة الفرنسية المغربية عندما عمدت فرنسا إلى إبعاد ملك المغرب محمد الخامس عن العرش عام 1953م كان الزعيم الطريس من كبار رجال الحركة الوطنية الذين نددوا بذلك التآمر الغادر، وقام بإلقاء خطب حماسية تشجب الإستعمار ومؤمراته، وعمل مع الزعماء المغاربة في تنظيم حركة المقاومة و الفداء وجمع تبرعات لصالح المقاومين والفدائين وإمدادهم بالسلاح و المؤن حتى تحققت عودة الملك من المنفى واعترفت فرنسا باستقلال المغرب في 2 مارس 1956، وتم انضمام المنطقة الشمالية للوطن المغربي في 9 أبريل من السنة.

وقد تقلد الطريس في عهد الإستقلال وطائف سامية، إذ عينه جلالة الملك محمد الخامس سفير قيما على شؤون الشمال وفوض إليه مفاوضة السلطات الإسبانية لتوحد الإدارة المغربية و تسلم مقاليد الحكم في الشمال وإدماجه في الجنوب، ثم عينه بعد ذلك سفيرا في مدريد، ثم سفيرا بمصر، وفي سنة 1960م أسند إليه منصب وزارة العدل في الحكومة التي يترأسها بنفسه، وفي سنة 1962م عين من جديد سفيرا في مصر، لكن عاد بعد مدة قصيرة من المقام بها ليشارك في انتخابات مجلس النواب بعدما فاز في الانتخابات ممثلا لمدينة تطوان في أول برلمان مغربي بجهود كبيرة للدفاع عن قضايا المواطنين وبيان السياسة التي يدعو إليها والمشاركة في المناقشات ومعارضة البرامج الحكومية بصفته رئيسا للفريق البرلماني الذي كان فريقا استقلاليا، بعدما اندمج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال.

وافته منيته فجأة يوم الأربعاء 21 ربيع الأول 1390ه موافق 27 ماي 1970م، وهو في مدينة طنجة حيث كان يقيم بفندق الموحدين الممتاز، وعندما علم أهل تطوان والمغاربة عامة هرعوا إلى منزله لتعزية أهله وحضر جنازته عدد لايحصى من الخلق.

بقلم : الدكتور إدريس خليفة
المراجع : الاستاذ الطريس، شذرات تاريخية، الحركات الإستقلالية في المغرب العربي
اترك تعليقك
تعليق
اسم
بريد إلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.