fbpx
تاريخ تطوان

تاريخ تطوان

إن تاريخ تطوان يرتبط بقوة بالعنصر الأندلسي بزهوه وبكوارثه، ولاشك أنه منذ 710م وخلال القرون التالية ظهرت للوجود مدينة صغيرة تسمى تطوان ذكرتها المصادر العربية والأوربية خلال فترات متفرقة من تاريخ طويل، ويذهب البعض –خصوصا الأوربيين- إلى وجود إرهاصات نشاط بحري قديم في تطوان لم يصمد كثيرا أمام تفوق موانئ سبتة والقصر الصغير.

وإذا كانت تامودا الرومانية تقوم فوق السهل فإن تطوان ولدت فوق سفح جبل درسة البعيد نسبيا عن البحر.  وبعد تحصين المدينة في القرن 14م ستشهد تطوان تدميرا سنة 1399م – 1400م أو سنة 1437م على اختلاف بين العلماء، كما عجل باندثارها خنقها من طرف المدن المجاورة الأكثر نشاطا. نحن إزاء قرن غامض (القرن14) تبقى لنا منه ارتسام مفاده التخلي والحطام، إنه على أقل تقدير قرن النسيان.

لقد شكلت مشاكل مملكة غرناطة بالأندلس ثم سقوطها سنة 1492 بداية ميلاد تطوان الأندلسية، إذ كانت نهاية مملكة بني نصر إيذانا بانبعاث تطوان الأندلسية بمسيرتها التاريخية الحافلة وإنجازاتها الحضارية الكبيرة، إنها مدينة في بداياتها الأولى بكل شيء تقريبا للفردوس المفقود أو الموعود إذا أردنا استعارة تعبير المؤرخ الكبير حسين مؤنس. ولقد أخذت تطوان على عاتقها لعب دور القلب المفعم بذكريات الغرناطيين والموريسكيين من بعدهم.

وتم تقسيم تاريخ تطوان في هذه المقالة على النحو التالي: تاريخ تطوان في القديم، والتأسيس الأندلسي لتطوان، الفترة الموريسكية، حكم آل الريفي ومرحلة الأوج، ومدينة تطوان خلال القرن 18، وبداية أفول مدينة تطوان، ثم تطوان في بداية القرن العشرين.

1 – تاريخ تطوان في القديم

نعني بتطوان القديمة، تلك المدينة التي كانت موجودة قبل البناء الأندلسي الأخير، أي غير تطوان الموجودة الآن، لأن مدينة تطوان الحالية بتقسيماتها وشوارعها ودروبها ومعاهدها، ليس قديمة، لأنها إنما بُنيت في أواخر القرن التاسع للهجرة، الموافقة لأواخر القرن الخامس عشر للميلاد، أي قبل تاريخنا هذا بما يقرب من خمسمائة عام، وذلك أنه لما نزلت الكارثة العظمى بالأندلس كارثة اضمحلال آخر دولة إسلامية بذلك الفردوس المفقود، هاجر كثير من المسلمين إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وكانت من بينهم جماعة من سكان غرناطة ونواحيها، فالتحقت هذه الجماعة بجماعة أندلسية أخرى كانت قد سبقتها إلى هذه الناحية من بلاد المغرب، وجدد الجميع بناء مدينة تطوان التي كانت في ذلك العهد مخربة غير عامرة ولا مسكونة، وهذا البناء الأندلسي هو الذي عمرت به هذه المدينة عمارتها المدينة عمارتها الجديدة، ولم يطرأ عليها خراب بعد ذلك إلى الآن والحمد لله… والواقع أن التاريخ الصحيح المحقق لتطوان، أنما يبتدئ نم تاريخ هذا البناء الأندلسي، أما ما قبل ذلك فالمعلومات عنه إنما هي شذرات متقطعة

هكذا كتب الأستاذ الكبير محمد داود عن تطوان القديمة و عنْون فصلا كاملا من كتابه “تاريخ تطوان”، وتشير الأبحاث التاريخية والأركيولوجية التي قام بها الباحثون الأجانب من أمثال بياري وتيسو – في تطوان وناحيتها إلى وجود آثار عمارة ما قبل إسلامية متمثلة خصوصا في آثار تمودة التي عثروا فيها على شوارع وآثار ومقابر وأواني ونقود وغير ذلك.

والتواريخ الرومانية تحكي أن مدينة تمودة كانت عاصمة مطرانية، مما يدل أنها كانت مدينة كبيرة ذات أهمية، والعالم الإسباني الأثاري بيلايو كينطيرو المدير السابق لمتحف تطوان قد استنتج من أبحاثه أن هذه المدينة المكتشفة رومانية، وأنه كان بها معسكر روماني، ويستدل على ذلك بالآثار والنقود التي عثر عليها، ويرى أن هذه المدينة قد أحرقت، لأنهم عثروا على ديار محترقة ومتهدمة، وأن أهلها تركوها وانتقلوا إلى المكان الذي توجد به تطوان الآن.

ونعثر عند الجغرافي اليوناني بطولومي على ذكر لمدينة بين المكانين المعروفين الآن براس الطرف ورأس وادلو، وهما رأسان معروفان أحدهما في الشمال الشرقي لتطوان، والآخر في جنوبها الشرقي، وربما تكون تلك المدينة هي تطوان.

ويأتي ليون الافريقي ليقول عن تطوان في كتابه وصف إفريقيا ما ترجمته: تطاوين – Tetteguin مدينة صغيرة بناها الافريقيون القدامى على بعد 18 ميل من المضيق وعلى بعد 6 أميال تقريبا من البحر، واستولى عليها “المحمديون” في الوقت الذي افتكوا فيه سبتة من أيدي القوط.

أما خلال العصر الإسلامي فنجد اسم تطوان مذكورا في كتاب “روض القرطاس” لابن أبي زرع حيث تحدث عن دولة الأمير محمد بن إدريس ب فقال: لما ولي قسم المغرب بين إخوته، وذلك برأي جدته كنزة أم أبيه، ولى أخاه القاسم مدينة طنجة وسبتة وقلعة حجر النسر ومدينة تطوان وبلاد مصمودة وما إلى ذلك من القبائل. وابن أبي زرع هو أقدم مؤرخ ذكر ولاية القاسم بن إدريس لمدينة تطوان، وهو من أهل القرن الثامن، وبينه وبين القرن الثالث نحو خمسة قرون.

وذكر بعضهم أنه عام 334هـ، أراد أحد الأدارسة تجديد بناء تطوان الخربة فأرسل الناصر الأموي لعامليه على سبتة وتيكساس أن يمنعاه من ذلك. ونقل الرهوني عن أبي عبيد البكري صاحب المسالك والممالك قوله “ولما دخلت سنة 338هـ أجمع بنو محمد بن القاسم بن إدريس على هدم مدينة تطاوين، وهدموها ثم أرادوا بنيانها فضج أهل مدينة سبتة من ذلك، وزعموا أنها تضر بسبتة وتقطع مرافقها، فأعجل عبد الرحمن الناصر إخراج الجيش إليهم سنة 341هـ، فتخلى بنو إدريس عن تطاوين وارتحلوا إلى قرطبة مقر الخلافة.

وذكر الناصري في الاستقصا أنه خلال زحف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي صاحب إفريقية بعد العبيديين إلى المغرب الأقصى… صعد جبال تطوان وتسنم هضابها..

وقد كانت تطوان موجودة أيام تأليف البكري كتاب المسالك والممالك وهو عام 460هـ وسماها تطاون التي بسفح جبل إيشقار، أي جبل درسة وتقع أسفل واد راس وهي قاعدة بني سكين. ولعل الزمان أرخى عليها بعد ذلك ذيول الخمول ولذلك كانت زمن قدوم سيدي عبد القادر التبين إليها قرى صغار وورد ذكر تطوان ووصفها في جغرافية الشريف الإدريسي المتوفى سنة 560هـ فقد جاء في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”: “ومن مدينة سبتة السابق ذكرها بين جنوب وشرق إلى حصن تطاون مسافة صغيرة وهو حصن في بسيط الأرض.. وتسكنه قبيلة من البربر تسمى مجكسة”.

والادريسي من أهل سبتة القريبة من تطوان، وقد جاب الآفاق ووصفها، يقول عن تطوان بأنها حصن تسكنه قبيلة من البربر.

وذكر صاحب كتاب “الاستبصار” وهو مؤلف مجهول من القرن السادس مدينة تيطاوين وقال عنها أنها مدينة قديمة كثيرة العيون والفواكه وطيبة الهواء والماء.

وينقل الأستاذ داود عن صاحب الاستقصا ذكره لغزو الموحدين لتطوان في عهد عبد المؤمن بن علي كما ينقل عن البيدق نزول الموحدين إلى تيطاوين وقتلهم 800 شخص بها، تم تذكر المصادر أن أمير المؤمنين أبو يعقوب يوسف بن عبد الحق المريني بني قصبة تطوان سنة 685هـ. ثم شرع في بنائها حفيده أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف المريني سنة وفاته وهي  708 لكونه أراد أن يخطها لعسكره للأخذ بمخنق سبتة كما في القرطاس وابن خلدون والاستقصا… تم خربها الاصبنيول سنة 803هـ وذلك في مدة الأمير عثمان بن أحمد المريني أو سنة 807هـ على ما ذكره صاحب الاستقصا، وبقيت خربة نحو 90 سنة إلى أن جدد بناؤها على يد الرئيس أبي الحسن، على المنظري الغرناطي، وببناء المنظري لتطوان الجديدة بعث مدينة أندلسية من الخرائب ووسعها وجعها المكان الحلم لمنفى الآلاف من الإسبان المسلمين أولا، والمريسكوس بعد ذلك.

قصبة تطوان قديما

2 – التأسيس الأندلسي لتطوان

لا يمكن الحديث عن تجديد تطوان من طرف المنظري وأصحابه بقدر ما يمكن الحديث عن إعادة بناء، فبعد سقوط سبتة في يد البرتغاليين سنة 1415مـ وسقوط القصر الصغير سنة 1458مـ وطنجة وأصيلا سنة 1471م، في يد الإسبان بدا حوض نهر مارتيل معزولا، وشكلت شفشاون المدينة –الدولة عصب المقاومة المغربية للغزو الإيبري… في حين كانت ضيعة تطوان تحتل موقعا دفاعيا محميا بحواجز طبيعية ممثلة في جبلي درسة وغرغيز كما ترتمي في أحضان البحر الأبيض المتوسط عبر سهول بني مطهر ومرتيل ويحفها من جهة الجنوب الغربي مرتفعات جبالة.

ومؤسس المدينة، أبو الحسن علي المنظري هو “أحد قادة جيوش أبي عبد الله الملقب بالملك الصغير (El rey chico)، كان قائدا لحصن بينار Pinar القريب من غرناطة، وهناك أخبار متضاربة حول خروجه من الحصن. والبحاثة Don Guillermo Goza Lbies Bueto  في كتابه (المنظري الغرناطي مؤسس مدينة تطوان) يقول: “إن القائد المنظري غادر قيادته وأرضه نهائيا، شهورا قبل سقوط حصن “بينار Pinar” ويضيف: “المنظري كان ينتمي لطائفة أبي عبد الله الصغير، ومن هناك يفهم أنه ترك الحصن عندما شعر بالعزلة، وبأنه محاط من لدن قوات الزغل…”

فالشعور بالهزيمة الذي زاد فيه أسر ملكه أبي عبد الله من قبل النصارى، حمل المنظري وجماعته من المحاربين الغرناطيين على الهجرة إلى الديار الإسلامية الإفريقية، وكونوا في المنفى جماعة لن تنفصل، ومع الزمان ارتفع عددهم بوصول مهاجرين آخرين، وتذكر الروايات –البرتغالية خصوصا- مواجهات المنظري الحربية مع الإسبان والبرتغال وأن كُرهه للملوك الكاتوليك كان كبيرا، زاد من حدته إحتلال مدينته الأصلية (المنزر) أي المنظر الجميل وهو ما يسمى اليوم بيدمار Bedmar. لقد شكلت هذه الهجرة الغرناطية إلى تطوان نقطة بداية جديدة وعامل استمرار وازدهار حضاري. وأصبحت غرناطة حاضرة باستمرار في الذاكرة التطوانية حضورا تاريخيا وحضورا أسطوريا أيضا.

وتضفي بعض المصادر البرتغالية طابعا أسطوريا على حياة المنظري من ذلك قصة زوجته الأولى فاطمة – من عائلة الملك أبي عبد الله الصغير- التي وقعت أسيرة في يد الكونت دي تنديلا، تقول أمينة اللوه بهذا الصدد: “فعندما كانت متوجهة من مدينتها غرناطة إلى تطوان للزواج من المنظري، أسرتها جيوشEl Conde de tendilla  ويأمر من هذا، ذهبوا بها إلى قلعة Alcala la Real وتبعد عن غرناطة بخمسين كلم.. إلا أن الاتصالات تمت في شأنها مع الكوندي، ومنها رسالة من الملك لأبي عبد الله الصغير إلى الكوندي يطلب فيها إطلاق سراح قريبته فاطمة، ويقدم مبالغ من ثروته لافتدائها.. وأمام هذا الاهتمام الصادر من الملك أبي عبد الله وبعض الشخصيات الغرناطية حرر الكوندي فاطمة بدون أن يتقبل أي افتداء، بل إنه من أجل إظهار العناية بالأسيرة، أهدي العروس حليا ثمينة وهدايا أخرى” ونعثر كذلك على نص برتغالي عجيب يصعب تصديقه  ويبدو بعيدا عن المنطق، يقول النص أن “أبو الحسن المنظري طلب من ملك البرتغال نقله رفقة المهاجرين الغرناطيين إلى تونس مقابل التخلي عن تطوان وناحيتها لصالح ملك البرتغال” لقد اختلطت في شخصية المنظري الأبعاد التاريخية والأسطورية، مما يضفي عليه بعدا لغزيا… وقبره وقبور المجاهدين الغرناطيين لا تزال قائمة في المقبرة الإسلامية بالمدينة. وباستثناء قبره الذي نصبت فوقه قبة حفيلة فإن قبور مرافقيه الغرناطيين يطالها الإهمال والنسيان.

تاريخ بناء مدينة تطوان :

وهناك اختلافات في تاريخ بناء مدينة تطوان، فعبد السلام السكيرج في مخطوطه “نزهة الإخوان” يذكر أنها بنيت سنة 888هـ، وفي “المخطوط التطواني” يذكر صاحبه سنة 889هـ نقلا عن محمد داود ص 95 وليون الإفريقي يذكر أن البناء تم بعد سقوط غرناطة وإلى هذا الرأي يميل محمد داود اعتمادا على تقييد للعربي الفاسي صاحب كتاب مرآة المحاسن، إذ ذكر مانصه: “إن هذا البناء الأخير كان على يد جماعة من الأندلسيين قدموا إلى هذه العدوة حين استولى الكفرة – دمرهم الله- على الجزيرة أعادها الله للإسلام، وذلك في شعبان لسبع خلت من عام 89هـ” (أورده داود، ص95 – 69).

ويرى G.G.Busto أن البناء تم سنة 1484م اعتمادا على عدة حجج أوردها في كتابه “المنظري الغرناطي مؤسس مدينة تطوان”، وعلى كل فمن المرجح أن تكون المدينة قد بنيت على مراحل مما خلق معه هذا الاضطراب في التواريخ.

ولئن سبقت الهجرة تأسيس تطوان مرتبط بقوة، بسقوط غرناطة في يد إيزابيلا وفردناند. لقد شجع الاستقبال الحميمي الذي خصص للمهاجرين الأوائل سواء من طرف محمد الشيخ الوطاسي، الذي أذن للمنظري بتجديد تطوان، أو من طرف مولاي علي بن راشد بشفشاون- على جلب أفواج أخرى من المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع التطواني الجديد، الذي عرف ازدهارا كبيرا يرجع الفضل الكبير فيه إلى طبيعة العنصر البشري الأندلسي.

ولم تكن الهجرة الغرناطية على تطوان حدثا منقطع النظير، إذ تثبت المصادر التاريخية هجرات أندلسية، غرناطية وغيرها، إلى بلدان إسلامية وأوروبية خصوصا دول المغرب العربي وبعكس الهجرة الأندلسية إلى الإيالات التركية -تونس خصوصا- التي كانت بإيعاز وتشجيع من السلطات التركية، فإن المهاجرين الأندلسيين إلى المغرب تحملوا كل تبعات استقرارهم في العدوة المغربية، نظرا للفراغ السياسي الذي عاشه المغرب بعد سقوط الحكم الوطاسي.

ويبدو التأثير الغرناطي واضحا في تطوان سواء في العمارة العسكرية أو الدينية أو المدنية، إلا أن طابع القلعة  كان يطغى على الخصائص الأخرى.. ويبدو سور القصبة المنظرية شاهدا على غلبة الطابع العسكري لمدينة تطوان خلال نهاية القرن 15 نظرا لسمكه وعلوه وأبراجه الصغيرة، مما يجعلنا  نستنتج أن الطابع المعماري الأصلي لتطوان صيغ بطريقة تحمي المهاجرين الغرناطيين الأوائل ضد الغزو الخارجي والداخلي على السواء.

لكن الغوص داخل المدينة المنظرية يجعلنا نكتشف أن حرص الغرناطيين المؤسسين، المسكونين بهاجس الدفاع عن مدينتهم لم يحل دول وضع اللبنات الحضارية الأساسية لازدهار كبير سيبلغ حده الأقصى خلال القرن 18.

وبعد عمر ناهز 85 سنة مات أبو الحسن المنظري عام 1511، وضريحه يوجد بمقبرة المدينة القديمة بتطوان على تل مشرف على سهول تطوان الممتدة إلى مرتيل، ودفن بجواره المجاهد الوطني عبد الخالق الطريس.

خلف المنظري الحفيد جده المتوفى وتزوج بالسيدة الحرة – ابنة قائد الشاون مولاي علي بن راشد – التي ستحكم المدينة بدورها بين 1537 و 1542.

والست الحرة سيدة حظيت بشهرة واسعة النطاق في الشمال الغربي من إفريقيا الشمالية، وهي ممن اعتنى المؤرخون الأجانب بالحديث عنها والتعرض بالذكر لأيام حكمها بتطوان، ولعل شهرة هذه السيدة قامت على عدة اعتبارات: فهي ابنة أمير شفشاون علي بن راشد، وهي في الوقت نفسها الأخت الشقيقة للوزير أبي سالم إبراهيم بن راشد، أمها (لالا الزهراء) ذات الأصل الإسباني الأندلسي وهي كذلك زوجة قائد تطوان محمد المنظري، وهي حاكمة تطوان في فترة معروفة من تاريخ المغرب.

وهي بعد كل هذا وذاك، زوجة السلطان أحمد الوطاسي (932-956) ابن السلطان محمد الشيخ (البرتغالي) (919-932) الذي اعتبر زواجه منها في ذلك الوقت شبيها بزواج الملكين الكاثوليكيين فرديناند (1452-1516) وإيزابيلا (1451-1504) مكلي إسبانيا في أواخر القرن 15 وأوائل 16.

ويمكن القول أن عصر آل المنظري محكوم بتأثير واضح للحضارة الأندلسية وبعلاقات عدائية مع الآخر الأوروبي وبحنين شديد إلى الوطن الأم، كما نستشف ضعف الولاء للسلطة المركزية، وهي خاصية ستميز تاريخ تطوان طوال خمسة قرون.

بعد آل المنظري، سيحكم تطوان آل النقسيس، ومن بعدهم آل الريفي تم آل أشعاش كل هذه الأسر حكمت لأكثر من جيلين وطبعت تطوان بميسمها الخاص، وتشهد العديد من الآثار المعمارية الباقية على اليوم على إنجازات هذه الأسر، واستمرت الهجرات الأندلسية في اتجاه العدوة المغربية تترى، مستقدمة خبرات جديدة وأنماطا في العيش جديدة، واندمجت الجاليات الحديثة مع سابقاتها، مشكلة مجتمعا متعدد الأبعاد، يربط بين عناصره وحدة الأصل مع وجود تمايز اجتماعي واقتصادي وفكري سينعكس على نمط العيش وعلى المجال والمعمار.

والمتتبع لأخبار الأندلسيين بالمغرب يلمس اختلافا دقيقا بين أندلسيي تطوان وشفشاون من جهة وأندلسيي المدن المغربية الأخرى، ويكمن هذا الفرق في كون الأوائل حافظوا على علاقاتهم مع الوطن الأم، وكالوا ضربات قاسية للإسبانيين والبرتغاليين، ومارسوا القرصنة” بضراوة، بينما أندلسيو الداخل احتفظوا بالأندلس ! فقط في ذاكرتهم.

ونظرا لقلة المصادر المكتوبة، واختلاط الكثير من المصادر الشفوية بالروايات الأسطورية، وصعوبة الوصول إلى المخطوطات الخاصة، ونظرا لضعف معرفتنا بالنشاط الاقتصادي والبحري لتطوان، وكذا ندرة الأبحاث الأركيولوجية، كلها عوامل تظافرت لتجعل من القرن 16 بداية القرن 17 فترة تاريخية غامضة. ومع ذلك يمكن تسجيل ازدهار القرصنة: ما بين 1550 و1570، والهجومات الإسبانية سنة 1565، وصراعات تطوان مع القبائل سنوات 1570 – 1580 كمحطات تاريخية مفتاحية في هذه الفترة الغامضة.

3 -الفترة الموريسكية

من المعلوم أن أهم جالية أندلسية قدمت إلى المغرب هي التي تلت قرار طرد الموريسكيين من الأندلس من طرف فيليب الثالث سنة 1609. والقادمين الجدد، أتوا ليس فقط من الأندلس، ولكن من مناطق إسبانية أخرى، خصوصا من قشتالة وأراغون.

وما يميز الموريسكيين عن مهاجري القرنين 15 و16، وهو صعوبة اندماجهم في المجتمع المغربي المسلم. ونستطيع أن نتفهم ذلك إذا عرفنا أن الموريسكيين عاشوا في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، وفقدوا بفعل الزمن والاضطهاد الكثير من عناصر هويتهم العربية الإسلامية.

فإذا كان المسيحيون يعيبون على الموريسكيين تشبتهم بالإسلام، فإن المغاربة يعيبون عليهم تأثرهم بالمسيحية ! ونستطيع أن نقرر بكل اطمئنان، أن حظ موريسكي تطوان وشفشاون من صعوبة الاندماج كان اقل بكثير من حظ موريسكي المدن المغربية الأخرى، ويرجع سبب ذلك، أساسا، إلى المكون البشري والحضاري الأندلسي في تطوان وشفشاون الذي استوعب إيجابيا الموريسكيين دون كبير عناء، في حين كان على موريسكيي المدن المغربية الأخرى أن يواجهوا عنصرا بشريا محليا وذا حساسية مفرطة – عموما- تجاه العنصر الأندلسي الوافد.

ولقد كان حظ تطوان كبيرا من هجرة الموريسكيين، ونظرا لوجود أندلسيي القرنين 15 و16 ، فإن استيعاب أفواج الموريسكيين لم يحدث خللا اجتماعيا أو ثقافيا في تطوان. وخلال الثلث الأول من القرن 17 بدا المجتمع التطواني متنوعا ومندمجا في آن واحد.

فبالإضافة إلى الأندلسيين الأوائل نجد الموريسكيين الذي تصفهم المصادر الأوروبية بأنهم جميلو الخلقة، ومتحضرون ومتسامحون مع المسيحيين، ونجد أيضا أهل الضواحي المتمدنين، وأخيرا اليهود، الذين يبدو أن عددهم كان كبيرا، إذ يقدر مصدر يهودي يعود إلى سنة 1610-1613- مستند على رسوم الضرائب – بعشر سكان تطوان.

وإلى يومنا هذا، تصمد أسماء عائلات تطوانية تشير إلى أصلها الأندلسي – الإسباني، كلوقاش (du lucas)، وراميراز (Ramirez)، وغارسيا (Garsia) وموراريش (Morales) وراغون (Aragon).

لقد تزامن دخول الموريسكيين إلى المغرب مع الحروب الأهلية التي كانت تشهدها البلاد في إطار الصراع على السلطة بين الأمراء السعديين المتأخرين، وقد خلق هذا الصراع فراغا سياسيا في المنطقة الشمالية، كما أن بداية انهيار الدولة السعدية أدت إلى ظهور زعامات سياسية جديدة، تجلت على الخصوص وفي نفوذ الزوايا الصوفية، ونذكر بالخصوص والزاوية الدلائية التي هيمنت على الأطلس المتوسط وشمال المغرب ووصل تأثيرها بقوة إلى تطوان.

في ظل هذا الجو المضطرب بدا ظهور أسرة آل النقسيس على مسرح الأحداث السياسية بتطوان أمرا طبيعيا. وتعتبر سيطرة آل النقسيس على المجال التطواني، إضافة إلى نفوذ المجاهد العياشي في منطقة سلا ونفوذ الخضر غيلان في منطقة “الهبط”، بمثابة حزام الأمان الذي يقي البلاد من الهجمات الايبيرية التي نشطت خلال مرحلة ضعف السلطة المركزية.

وأصل أولاد النقسيس من النقاقسة بني يدر وقد تولوا الحكم بتطوان من سنة 1597 إلى سنة 1672. بعد محمد النقسيس سيخلفه المقدم أحمد النقسيس (1608-1622)، وبعده ابنه أحمد (1628-1639) وأخيرا إخوة هذا الأخير محمد وعبد الكريم (1640-1653) و(1953-1967). وما بين 1667 و1672 أدت الاضطرابات السياسية بشمال المغرب وهجومات السلطان العلوي مولاي اسماعيل إلى اختفاء آل النقسيس من الساحة السياسية. وعلى العموم فإن المراحل التاريخية للوجود الموريسكي بتطوان تبرز في ثلاثة مظاهر أساسية: الصراعات الداخلية، الجهاد البحري، العلاقة بالأوربيين.

تقدر المصادر عدد الموريسكيين المستقرين بتطوان بعشرة آلاف نسمة، بالإضافة إلى 40 ألف نسمة بالمناطق المجاورة.. وقد بلغ العدد الإجمالي في أواسط القرن 17 من 22 إلى 26 ألف نسمة، وهو عدد هائل بالنسبة لظروف المرحلة التي نتحدث عنها، وبقي هذا العدد مستقرا نسبيا إلى حدود الانفجار الديموغرافي للقرن 20.

ونتج عن هجرة القرن 17 إضافة أحياء جديدة شرق وغرب المدينة الأصلية (المسماة حاليا: حومة البلاد). وأهم هذه الأحياء حومة العيون التي كانت تسمى بربض الأندلس، وحي الطرنكات. وبدت ملامح مدينة جديدة في التشكل نظرا للإضافات المعمارية النوعية التي أدخلها الموريسكيون، انطلاقا من فلسفة عملية جديدة إعداد المجال، وأصبحت تطوان تتوفر على أحياء خاصة لتجمع الصناع التقليديين المتخصصين في حرفة معينة. وكانت تطوان القرن 17 مفتوحة على المحيط الخارجي لافتقارها إلى الأسوار، ولن تتم حمايتها بأسوار جديدة إلا خلال القرن 18  على يد القائد محمد تميم.

ويمكن أن نتصور تطوان القرن 17 بمثابة شفشاون الحالية، وإذا كانت بعض الملامح المعمارية الأصلية قد انقرضت، خصوصا السقوف القرميدية، فإن المساجد تقف كشواهد على التأثير الموريسكي في تطوان، إذ تحتفظ بعض مساجد القرن 17 بالطابع الموريسكي الموجود بشفشاون وتستور بتونس.

وأبرز الأمثلة على ذلك جامع المصيمدي، بحومة العيون، المبني سنة 1611 (جدد سنة 1958)، وجامع الجديدة المبني سنة 1640، وجامع العيون، الذي بني سنة 1620 وتشترك هذه المساجد في بساطة صوامعها التي تخلو من الزخرفة، ما عدا شرائط من الآجر “وأقواس عمياء” نادرة.

وتلتقي منازل ومساجد القرن 17 في خلوها –عموما- من الزخرفة والمساحات المزينة. فلا نجد الجص المنقوش، ولا الخشب المنقوش أو المصبوغ ونادرا ما نجد القرميد المبرنق(18). ويبدو قصر عائلة النقسيس كنموذج للبنايات الأكثر صمودا من الناحية المعمارية في هذه الفترة. ويوجد هذا القصر غرب المدينة الأصلية “البلاد”، قريبا من ساحة الفدان، في ممر يحمل اسم زنقة المقدم النقسيس.

ومن آثار هذا العصر، المقبرة الإسلامية التي توضحت معالمها خلال القرن 17، وتوجد فوق سفح جبل درسة، ويقع قبر المقدم أحمد النقسيس في أعلى المقبرة إلى جوار شخصيات أخرى، وبنيت فوق بعض القبور بيوت مربعة تعلوها قباب، وتوجد بالمتحف الأركيولوجي بتطوان نماذج من شواهد القبور تعود إلى القرن 7.

ويبدو التأثير الإسباني واضحا في الفن الموريسكي التطواني ويظهر هذا التأثير في الملبس والكرز والحي والزخرفة المعمارية..

4 – مرحلة الأوج – حكم آل الريفي

بعد إزاحة أسرة “آل النقسيس” عن حكم تطوان من طرف السلطان العلوي المولى اسماعيل، طفت على السطح من جديد إشكالية علاقة أندلسي تطوان بالسلطة المركزية.

ومعلوم أن للمهاجرين الأندلسيين باع كبير في مجال “فقه العلاقات المصلحية”، وأن فكرة “البيعة الشرعية” لم تكن لتغيب عن أذهانهم.

هل يمكن الحديث عن تطوان المستقلة؟ أم أنها فقط مفعمة بميولات استقلالية، تؤمن بالبيعة عن بعد، ويتطور الأحداث صارت هذه البيعة شيئا نظريا لا مصداقية له على أرض الواقع؟ وعلى كل حال، فقوة السلطان العلوي المولى إسماعيل أدت إلى “تقليم أظافر” هذا النزوع الاستقلالي دون القضاء عليه نهائيا، فعلى الرغم من تعيين السلطان لحاكم تطوان فإن الأخير احتفظ لنفسه بسلطات واسعة، منها توريثه السلطة لأبنائه، وتمثل أسرة “آل الريفي” نموذجا بارزا في هذا السياق.

ويعد مؤسس الأسرة عبد الله الريفي من قواد الجيوش البربرية التي ساهمت في تحرير الثغور المغربية من الغزو المسيحي، بقيادة السلطان المولى إسماعيل.

عيّن السلطان المولى اسماعيل عمر بن حدو كحاكم على أصيلا وتطوان والقصر الكبير، وبعد مشاركة هذا الأخير في عملية تحرير المعمورة يوم 30 ابريل سنة 1681 مات بالطاعون وخلفه علي بن عبد الله الحمامي الريفي كنائب للسلطان في منطقة الغرب.

وكان هذا الأخير يعيش بعد سنة 1684 متنقلا بين طنجة وتطوان تاركا في هذه الأخيرة نائبا عنه هو الحاج محمد تميم، ثم الحاج لوقاش من بعده.

ثم كلف علي بن عبد الله الريفي، من طرف المولى إسماعيل بمهمة قائد الجيوش المحاصرة لسبتة المحتلة، وظل محاصرا لها من سنة 1694 إلى أن مات سنة 1713، وقد خلّف بجوار سبتة قصرا ومسجدا. ولم يكتفي القائد الريفي بالجهاد بل مارس التجارة أيضا واحتكر تجارة الشمع والجلد بتطوان، كما كان يستخدم مفاوضين يهود لربط علاقات تجارية مع ليفورن وامستردام ولوندرة. ومات القائد علي بن عبد الله الريفي مفعما بالسلطة والثروة يوم 29 غشت سنة 1713، وخلفه ابنه الأكبر دون مشاكل.

حكم الباشا أحمد بني علي بن عبد الله الريفي من سنة 1713 إلى سنة 1727، واستفاد من طريقة والده في التسيير والتدبير، ويعتبر من ابرز الشخصيات على الإطلاق، التي عرفتها الحاضرة التطوانية طيلة تاريخها.

وفي يوم 6 ماي1721، وصلت إلى تطوان بعثة إنجليزية –من طرف الملك جورج الأول- يرأسها شارل ستيوارت Charles Stewart وقد كان من بين أعضاء هذه البعثة، المدعو جون وندوس Windus، وقد سجل وندوس هذا مشاهدته وانطباعاته عن هذه المهمة ويقول واصفا الباشا أحمد بن علي الريفي: “يتراوح عمر الباشا الحالي، أحمد بن علي بن عبد الله، بين الربعين والخمسين سنة، ذو بنية قوية، يميل إلى السمنة، نشيط ويتميز بالفطنة والضبط خلال تسديد رمحه، مهاب الهيئة له أنف روماني وعينان جميلتان ووجه مليح لونه يميل إلى السمرة مما يكسبه مظهرا رجوليا، ويعتبر شخصا شديد التكبر غير أنه كان محتقرا بما فيه الكفاية بمكناس”.

ويضيف الفقيه الرهوني في عمدة الراوين نقلا عن السفير روسل: “كانت حركاته شريفة (أي الباشا أحمد)، لطيفا هشا بشا، له ولوع بالخيل، مهذبا مطلعا على العادات الأوروبية كلها…

أما عن امتداد إيالة الباشا الريفي فيضيف وندوس: “يحكم الباشا المناطق الممتدة من وهران على البحر المتوسط… إلى المعمورة التي تقع ساحل المحيط وتخضع لحاكم سلا. كما تمتد منطقة حكمه من المتوسط إلى نهر سبو على مساحة تعادل مساحة مملكة البرتغال، ومدنها الرئيسية هي تطوان وطنجة وأصيلا والعرائش والقصر.

وخلال الصراع بين أبناء المولى إسماعيل على الحكم بعد موت هذا الأخير سنة 1727، ظهرت للوجود أسرة يقودها الحاج أبو حفص عمر لوقاش الذي ثار ضد الحاكم أحمد الريفي، وهُنا تبدأ مرحلة غامضة من تاريخ تطوان… ولن نستطيع الإمساك من جديد بخيط الأحداث إلا بعد معركة “عيطات السبت” التي انهزم فيها القائد الريفي وأخوه وفي سنة1734 سيعود الباشا أحمد الريفي على تطوان على رأس 8000 رجل، لينتقم من الحاج عمر لوقاش الثائر عليه، وسيقوم أحمد الريفي بنفي لوقاش إلى تارودانت والذي مكث في منفاه إلى أن توفي.

ثم حاول الباشا أحمد الريفي أن يحتل فاس، لكنه قُتل في معركة ضد السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل سنة 1734.

بعد ذلك عين الحاج محمد تميم حاكما على تطوان سنة 1743، ولم يلبث أن قتل من طرف السكان سنة 1750. وخلفه محمد بن عمر لوقاش، إلا أن وصول السلطان محمد بن عبد الله إلى الحكم اضطر محمد لوقاش إلى الفرار إلى الجبال المجاورة لمولاي عبد السلام بن مشيش إلى أن مات هناك وبذلك تستعيد تطوان ارتباطها المباشر بالسلطة المركزية، ولكنه ارتباط يخفف من حدته البعد الجغرافي والعقلية المتمردة للتطوانيين وتحركات الأعيان.

بلغ عدد سكان تطوان خلال القرن 18 من 20 إلى 25 ألف نسمة، وتشكل المجتمع التطواني خلال هذه الفترة من العنصر القبلي المحلي. ويبدو أن العلاقة بين تطوان وباديتها علاقة قاتمة،  ولكن رغبة أندلسي تطوان في التميز عن الريفيين والجبليين مسألة لا يمكن إنكارها، ولو أن حدتها تناقصت مع مرور الزمن، أما يهود تطوان خلال القرن 18، فيبدو اندماجهم خصوصا في المجال التجاري.

وكان التسامح الديني بين اليهود والمسلمين سمة بارزة في تطوان، ورغم انتظام اليهود في إطار الملاح، فإن مشاركتهم في الحياة الاقتصادية كانت فعالة. وقد اشتغلوا في أعمال “القرصنة”، وساهموا في تطوير الصناعة التقليدية، ولكن إسهامهم الكبير يبقى في مجال التجارة الدولية، خصوصا وأنهم كانوا على علاقة بالجاليات اليهودية في أوربا والمغرب العربي والشرق الأوسط.

5 – مدينة تطوان خلال القرن 18

يشهد رسم يعود إلى سنة 1721 أن تطوان كانت مكتملة الأسوار وقصبتها الجديدة مكتملة البناء، ويمكن نسبة بداية الأسوار إلى السلطان المولى إسماعيل وإلى حكومة عبد الله الريفي.

وقد نشر Fernando valderrama martinez في مجلة Tamuda نقشا على لوحة من الرخام يعود إلى سنة 1745، وجد في الواجهة الجنوبية الغربية للقصبة الجديدة، وينسب بناء هذه الأخيرة إلى الحاكم محمد تميم تطبيقا لأمر السلطان مولاي عبد الله.

وفي المرحلة ما بين 1750 و 1757 تم إكمال أسوار المدينة من طرف الحاكم محمد بن عمر لوقاش. ويبلغ طول سور تطوان 5 كلمترات، وعلوه يتراوح بين 5 و6 أمتار، وعمقه يبلغ 80 سنتمتر. وتخترق السور سبعة أبواب هي:

  • باب المقابر.
  • باب الجياف.
  • باب السعيدة
  • باب الرموز.
  • باب العقلة.
  • باب النوادر.
  • باب التوت.

ومن آثار هذا العصر مدرسة لوقاش، وهي الوحيدة من نوعها المتبقية بتطوان، وتختص ببساطة زخرفتها المستقاة من الطابع المحلي، وينسب بناؤها إلى محمد بن عمر لوقاش الذي حكم المدينة من سنة 1750 إلى 1757. وينسب إليه ايضا بناؤه للسقايتين العموميتين بكل من باب العقلة وباب التوت، وتلاصق مدرسة لوقاش مسجد لوقاش، وكانت تتوفر على إقامة للطلبة مكونة من 54 غرفة.

أما جامع الباشا فبُني بأمر الباشا أحمد الريفي سنة 1737-1738 كجزء من مركب قصر المشور ويعتبر هذا المسجد إضافة نوعية إلى المجال المعماري التطواني. بحيث نجد به نمطين في العمارة وهما:

  • أولا : القباب التي تغطي بيت الصلاة وعددها 25 عوض نمط السقوف القرميدية المعروفة بالمغرب.
  • وثانيا : المنارة المثمنة الزوايا. ويرجع أصل هاتين الإضافتين إلى اسطنبول التركية ودخلتا المغرب عبر الجزائر العثمانية.

ومن أهم الانجازات العمرانية خلال القرن 18 قصر الباشا أحمد الريفي بالمشور السعيد، ويتميز هذا القصر ببهو داخلي تحيط به أقواس من جهاته الأربع، وفي كل جهة ثلاثة أقواس: قوس أوسط كبير محاط بقوسين صغيرين، وتتخذ الأقواس شكل حذوة الفرس، ونجد في الكثير من قصور العائلات التطوانية الكبرى (اللبادي، مدينة، بريشة..) نفس تخطيط الساحة الداخلية لقصر المشور.

6 – بداية أفول تطوان

شكل قرار السلطان محمد بن عبد الله، القاضي بإبعاد القناصل والتجار الأوروبيين عن تطوان بداية التدهور الاقتصادي للمدينة، وبذلك فقدت تطوان دورها الدبلوماسي الريادي لصالح غريمتها التي بدت أكثر ملاءمة للاضطلاع بهذا الدور الحيوي.

ويُعد قرار السلطان محمد بن عبد الله ببناء ميناء الصويرة (1764-1772) ضربة قاسية للاقتصاد التطواني، خصوصا وأن السلطان فرض على بعض التجار التطوانيين الإقامة بالصويرة، مما أدى إلى انتعاشها على حساب تطوان.

لقد انتقلت تطوان من حيث أهمية مينائها من المرتبة الأولى خلال سنوات 1760 إلى المرتبة الثانية خلال سنوات 1780، إلى المرتبة الثالثة خلال العشريات الأولى للقرن19. ومع ذلك بقيت تطوان منتعشة من حيث الصناعة، بالإضافة إلى الدور الحيوي الذي لعبته لتزويد المجاهد الجزائري الأمير عب القادر بالسلاح والذخيرة، وبتعميم السفن البخارية بدت الموانئ الأطلسية أكثر تفوقا، وانتقل ميناء تطوان إلى الرتبة الخامسة سنة 1850.

وبحلول حرب تطوان سنة 1859 – 1860 كانت الظروف الذاتية والموضوعية ملائمة للإعلان الرسمي عن أفول مدينة قاومت أسباب ضعفها بضراوة قبل أن تستسلم نهائيا تحت ضربات الجيوش الإسبانبة.

وإذا كانت الأسر الثلاثة الأولى التي حكمت تطوان: آل المنظري، وآل النقسيس، وآل الريفي، قد اكتفت ببيعة شكلية للسلطان مع الاحتفاظ بسلطات واسعة، فإن الأسرة الرابعة المتمثلة في آل أشعاش ستدشن بداية علاقة من نوع آخر، بدأت بالحد من السلطات وانتهت بالإخضاع النهائي.

ظهر مؤسس أسرة أشعاش عبد الرحمن بن عبد الخالق أشعاش خلال فترة الاضطراب السياسي التي عاشها المغرب إبان حكم المولى اليزيد (1790-1792). وفور وصول المولى سليمان إلى الحكم عزل أشعاش من منصبه، ثم أعيد إليه سنة 1794-1795، وأزيح مرة أخرى بعد ذلك، وتقلد عدة مناصب بالرباط قبل عودته إلى منصب حاكم تطوان، وأعفي مرة أخرى سنة 1808م ليعود سنوات بعد ذلك.

وخلف محمد بن عبد الرحمن أشعاش والده سنة 1824، ووجد أمامه وضعا مزريا وبنية اقتصادية واجتماعية هشة، ووفاء لنهجها المعارض للسلطة المركزية قامت تطوان في أواخر حكم المولى سليمان بمولاة الثائر مولاي سعيد، وهو ما أدى إلى شل الحركة الاقتصادية بالمدينة بحرا وبرا وانتهت الثورة بإخضاع مهين لتطوان من طرف المخزن وقد استطاع محمد أشعاش، رغم الصعاب، أن يحكم قبضته على المدينة إلى أن توفي سنة 1845، وخلفه ابنه الذي عزل أكثر من مرة، كانت آخرها سنة 1864.

وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي الذي عرفته تطوان خلال القرن19، فإن الفترة عرفت بعض الانجازات العمرانية، من ذلك ترميم الأسوار من طرف المولى سليمان، وأعطى خلفه عبد الرحمن بن هشام أمره لأشعاش لبناء باب العقلة والبرج المجاور لها سنة 1830.

وفي عهد الحاكم الحاج أحمد الحداد (1851-1859) سيتم بناء برج آخر يعرف بالبرج الجديد، يوقع بين باب المقابر والقصبة الجديدة.

وفي هذه الفترة بنى السلطان المولى سلميان الملاح الجديد بعدما هدم الملاح القديم من طرف جيوش المولى اليزيد.

ويذكر صاحب الاستقصا أن بناء الملاح الجديد في موقعه الحالي أملته رغبة المولاي سليمان في إبعاد أهل الذمة عن ساحة الجامع الأعظم. والجامع الكبير من بناء السلطان المولى سليمان، ويمكن مقارنة منارته بمنارة جامع الرصيف بفاس.

وفي هذه الفترة بنيت الزاوية الريسونية من طرف ابن مولاي عبد السلام بن ريسون، وتصر منارة الزاوية الريسونية أن تحاكي منارة جامع الباشا بشكلها المثمن الزوايا.

وقد عرفت فترة حكم المولى سليمان ازدهار الصناعة التقليدية، خصوصا صناعة الجلد بالإضافة إلى الطرز والنقش. لكن هذه الصناعات المبدعة لم تستطع الصمود –إلا بصعوبة كبيرة- أمام غزو المواد الأجنبية، ولم يكن هذا التصدع الصناعي إلا امتدادا لمثيله في المجال السياسي والثقافي. وبدا وشيكا، بعد حرب 1859-1860 أن عالما تطوانيا تقليديا يودع بأحلامه الأندلسية ليحل محله واقع جديد يئن تحت ضربات الغازي الأجنبي.

تطوان خلال 1860

في نهاية عام 1859 قرر الحاكم العام لمدينة سبتة أن يبني لرجال حرس الحدود الإسباني مباني محصنة على الحدود عوض الأكواخ الخشبية التي كانت سابقا . فقامت قبيلة أنجرة المجاورة لسبتة بالإحتجاج على هذا الإجراء الإسباني الذي إعتبرته إهانة أخرى على السيادة المغربية .

لم يجد هذا الإحتجاج آذان صاغية من لدن الحاكم الإسباني ، فقرر رجال تلك القبيلة الوقوف ضد ذلك الإجراء التعسفي و التحرك للمقاومة ، فهدمو البيوت التي بنيت ثم كسرو العلم الإسباني الذي وضع فوق البنايات .

فعلا كان هذا هو السبب الظرفي وفق الرواية الرسمية التي تذرعت بها السلطات الإسبانية آنذاك لغزوها مدينة تطوان ، حيث إشترطت تأدية الجنود المغاربة السلام الرسمي للعلم الإسباني و أن يعدم في مدينة سبتة 12 رجلا من قادة قبيلة أنجرة الذين تزعمو أحدات الحدود ، و أن يعترف المغرب لإسبانيا بحق بناء ما يرونه مناسبا من الحصون حول مدينة سبتة المحتلة .

لاكن السلطان محمد بن عبد الرحمان فضل خوض الحرب عوض التنازل و الخضوع للشروط الإسبانية خاصة بعد فشل المفاوضات الديبلوماسية ، فأعلن البرلمان الإسباني عن شن الحرب ضد المغرب بعد رفضه لشروطها بقيادة الجنرال “أودونيل” .

لقد كانت حرب تطوان ساعة حقيقة، يوم تحركت الجيوش الإسبانية يوم 13 دجنبر 1859 من سبتة في اتجاه تطوان. وكان ذلك حدثا كبيرا في حياة أهل تطوان، بحيث استيقظت فيهم ذكريات “حروب الاسترداد” وذكريات محن الطرد والتهجير، أما في إسبانيا فكان الحماس كبيرا ورياح الغزو تذكرهم بالعدو التقليدي الذي قهر أجدادهم.

ليلة سوداء في تاريخ مدينة تطوان

ليلة الخامس من فبراير من عام 1860 كانت ليلة رعب أمضاها سكان مدينة تطوان ، كانت ليلة عمت فيها أعمال النهب كل أحياء المدينة ، في اليوم نفسه إستسلمت مدينة تطوان و دخلتها القوات الإسبانية الغازية .

عن معركة تطوان التي تسمى في تاريخ السجلات الإسبانية “الحرب الإفريقية” أو “الحرب الإسبانية المغربية” كتب المؤرخ المغربي أبو العباس أحمد بن خالد الناصري في كتابه الإستقصاء في أخبار المغرب الأقصى ، ” و واقعة تطوان هذه هي التي أزالت الهيبة عن بلاد المغرب و إستطال النصارى بها و إنكسر المسلمون إنكسارا لم يعهد لهم مثله و كثرت الحمايات و نشئ عن ذلك ضرر كبير ” .

يعني أن حرب تطوان هي التي جعلت الغرب يضطلع على حالة الضعف الذي كان عليها المغرب و بشكل خاص على الصعيد العسكري .

وقد وقف التهامي الوزاني في حواشيه على تاريخ تطوان لداود وقفة خاصة مع حرب تطوان، وأهم ما رد إليه هزيمة الجيش المغربي في المعركة:

  • ضعف القيادات المغربية وسوء تدبيرها وتخطيطها.
  • عدم تكافؤ أعداد الجنود والمتطوعين مع المخططات الحربية المرسومة.
  • ضعف الميزانية المخصصة للإنفاق على الجيوش.
  • ندرة الأسلحة والعتاد وفساد بعضه.
  • قلة الذخيرة الحربية.
  • تفشي أعمال الفوضى بين السكان من سلب ونهب وقتل واختطاف.

يقول التهامي الوزاني: كان الجيش الإسباني جيشا كامل العدة، يصحبه الجغرافيون والرسامون والصحفيون وسائر ما تحتاجه حملات الاحتلال المنظم، كما تدل على ذلك الخرائط الدقيقة التي لا تزال موجودة مما وضعته الحملة، وكذلك الصور الفوتوغرافية، فإنها بلغت من الدقة غاية لا مزيد عليها.

واستمرت سيطرة الإسبانيين على تطوان 27 شهرا إلى 2 ماي 1862… وأحدثوا منشآت جديدة بتطوان وابتدعوا مخططا لتعمير المدينة.

وطافت على السطح من جديد ثنائية بدو – حضر بحيث كيلت تهم عديدة من قبيل الخيانة ومساندة العدو للتطوانيين المدينيين، وبقي هذا الجرح كامنا ليندلع في هجومات قبائل جبالة على تطوان سنوات 1903 – 1904.

بقلم :
د. جمال بامي، رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ووحدة علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء
مراجع :
- محمد داود: تاريخ تطوان، ج1 ص 61، ص 63، ص 68،ص 70، ص 71.
- jean-léon l’africain : description de l’afrique 1956.Vol Ip.267-268.
-ابن أبي زرع: الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس. ج1 ص70-71. طبعة الرباط 1936.
- أحمد الرهوني: عمدة الراوين في تاريخ تطاوين. ج1 ص 150، ص 151، ص 152، ص 153، ص 192، ص 203
- أمينة اللوه: سور من تطوان الغرناطية، مجلة الأكاديمية ع 15 ص 211، ص 212، ص 214، ص 222، ص 239..
- نقلا عن ثلاثة قرون وعشر سنوات من تاريخ الدولة العلوية وزارة الأنباء 1969
- jean-louis : M’hammed Benaboud et Nadia Erizini Tétouan vielle andalouse marocaines p.13
- محمد رزوق الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16- 17 ص 160، ص 322-323، ص 250، .
- عبد القادر العافية: الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية شفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري (16م) 1982 ص 122.
- امحمد بن عبود:. P177. tetouan , la culla di una civiltà,percorso ص 173
- محمد العربي الشاوش: إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة تطوان، دعوة الحق ع 227 ص 225
- جلال يحي المولى إسماعيل وتحرير ثغور المغرب 1983.
– جون وندوس، رحلة إلى مكناس ص 51، ص 60.
- Elarbi Erbati : Habitation Traditinnel à Tetouan – Maroc du XVIè au XVIII éme siecle.unive lyon2.1988.
-أحمد زيادي حواشي التهامي الوزاني على تاريخ تطوان  مجلة المناهل ع 40 ص 15-16.
  • Fatima

    Fatima

    13/02/2022

    شكرا دكتور على البحث القيم.. بارك الله فيك

اترك تعليقك
تعليق
اسم
بريد إلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.