الفقيه محمد المرير
هو العلامة الفقيه، القاضي، المدرس، الأديب، شيخ العلوم بمدينة تطوان سيدي محمد بن أحمد محمد بن الله المرير. ولد بمدينة تطوان في عام 1304 هـ 1887م، حسبما كتبه عن نفسه في ترجمته المختصرة في نعيمه. ينحدر من أسرة من قبيلة بني سعيد الغمارية، وتحديداً من مدشر (أوشتام)، وقد انتقلت منها إلى تطوان منذ أمد بعيد حسب المؤرّخ العلامة محمد داود.
نشأ الفقيه المرير نشأة سليمة في وسط أسرة مرتبطة بالقرآن الكريم، فوالده مقدّم الطريقة العجيبية بتطوان أيام شيخها العارف سيدي عبد القادر بن أحمد بن عجيبة، والذي كان يتوسّم فيه مخايل النّجابة، وفي هذا الوسط نشأ وتربّى، وأدخل المكتب القرآني في السنة السادسة تقريباً، وهناك بدرب الصفار قبالة جامع الرزيني من حومة الربض الأسفل تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم على الفقيه سيدي عبد الكريم کرکیش وعليه حفظه.
ثم بعد ذلك قرأ التجويد بمكتب قرب الجامع الكبير على الفقيه سيدي الأمين أبو حديد، ولما أكمل حفظ القرآن، انتقل إلى المرحلة الثانية التي كانت في ذلك العصر بمنزلة التعليم الثانوي، فشرع في حفظ متون فنون العلوم الإسلامية المتداولة حينئذ، من متن ابن عاشر، والألفية، واللامية، وسلم الأخضري، ونظم الاستعارات في البيان، ومختصر الشيخ خليل.
فصار يحضر الدروس على أساتذة المدينة الذين كانوا يلقون دروسهم في مساجد إمامتهم وخطابتهم غالباً. فزاول في هذه المرحلة جلّ مواد العلوم الإسلامية التي كانت تدرس في هذا العصر: من التوحيد، وفقه العبادة، والنحو والتصريف، والأصول، والبيان، والمنطق، وفقه المعاملة، والحديث والسير، وقواعد الحساب؛ حتى ختم على الشيوخ جل المؤلفات الموضوعة في تلك العلوم، وبعضها ختمتها مراراً.
وأشهر من أخذ عنهم هذه الفنون بتطوان:
- شيخ الجماعة وإمامها، العلامة المشارك، الشريف الجليل، سيدي محمد بن أحمد البقالي المختصر بالدردیر، وموطّأ مالك وغيرها.
- والفقيه العلامة سيدي أحمد الزواقي، المختصر بالزرقاني وجمع الجوامع بالمحلي وغير ذلك.
- والعلامة بهجة المدرسين سيدي محمد ابن الأبار، الألفية بالمكودي والمختصر بالدردیر والزرقاني وغير ذلك.
- والفقيه العلامة سيدي أحمد الرهوني الألفية بالتوضيح لابن هشام وغير ذلك.
- الفقيه العلامة القاضي سيدي أحمد العمراني الغماري، التحفة بالشيخ التاودي ابن سودة.
- الفقيه العلامة المدرّس سيدي عبد الله بن عبد الرحمن لوقش. الأجرومية والسنوسية.
- والفقيه رئيس وزراء دولة مولانا عبد العزيز، سيدي الحاج المختار، (بعد دراسته بفاس ورجوعه لمسقط رأسه) رحم الله الجميع.
وفي أوائل عام 1328هـ/1910م، رجع إلى مسقط رأسه تطوان، بعدما أروى ظمأه وملأ وطابه معرفة وحكمة، وصار يلقي دروسا تطوعية بعدة مساجد وزوايا، ومنها:
- بجامع لوقش. عدّة علوم.
- جامع الرّبطة: درّس بها الألفية بشرح المكودي، وكان السارد له: الفقيه محمد الكحاك.
- جامع القصبة: عدة علوم.
- الجامع الكبير: درّس به السلّم في المنطق، والألفية بالمكودي، والموضّح، ومختصر السّعد، والاستعارة، وشمائل الترمذي، والزقاقية، وشيء من مختصر خليل، والألفية بابن عقيل، والمرشد المعين.
- زاوية سيدي علي بركة: درّس بها مختصر الشّيخ خليل بشرح الدّردير.
- (منزله): درّس به الشفا للقاضي عياض.
زاول الفقيه سيدي محمد المرير عدداً من الوظائف المخزنية والدّينية، مباشرة بعد رجوعه إلى مسقط راسه بعد رحلته في طلب العلم، ومن الوظائف التي تولاّها:
- الإفتاء والعدالة بمدينة طنجة ابتداء من عام 1329هـ 1911م.
- اشتغل بوظيفة إدارية بإدارة مراقبة الدين المخزني، بنفس المدينة.
ولما حل بتطوان أول خليفة لجلالة السلطان، وهو الأمير مولاي المهدي بن إسماعيل:
- استدعي للعمل بوزارة العدلية، وذلك سنة: 1913م.
- عين كاتباً ثانياً للوزير (الصدر الأعظم) بن عزوز.
- وفي سنة 1919 عين قاضياً بالقصر الكبير وقبيلتي الخلوط والطليق. وفي هذه الفترة درّس بالقصر الكبير صحيح الإمام مسلم، ومختصر خليل بشرح الدّردير.
- وفي سنة 1925 عين قاضيا بأصيلة وعمالتها.
- وفي سنة 1926 عين قاضياً بتطوان وقبيلة بني سعيد.
- ثم في سنة 1934 عين في منصب شيخ العلوم بالمنطقة الخليفية. (عميد الدراسة الإسلامية).
- وفي سنة 1939 عين رئيساً للمجلس الأعلى للاستئناف الشرعي بالمنطقة المذكورة، وظلّ في هذه المهمة إلى أن أعلن عن استقلال المغرب، فعين بظهير ملكي شريف رئيسا للقسم الإقليمي لاستئناف أحكام القضاة، وبقي في هذا المنصب إلى سنة 1963 حيث أحيل على المعاش.
وإلى جانب هذه المهام، كان عضوا نشيطا، ومرجعا مهماً، في مجالس علمية وتنظيمية مختلفة، منها:
- عضوية المجمع العلمي الذي تأسس عام 1335، (1916)، وكان يترأسه باشا تطوان السيد الحاج أحمد الطريس، ويضم نخبة من العلماء والكتاب والأعيان.
- عضوية مجلس تحضير نظام الأحباس العامة الذي تأسس عام 1358، (1939)، وكان يترأسه الصدر الأعظم.
- عضوية المجلس العلمي الثاني، الذي تألف عام 1345 (1927) لإصلاح حالة التعليم.
- عضوية مجلس العلماء المعين لدراسة ومرجعة حقوق الانتفاع والتصرف في أملاك الاحباس، وقد تألف عام 1345 (1927).
- عضوية المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي، الذي تأسس عام 1355 (1937).
- عضوية لجنة تنظيم القضاء الشرعي، وكذلك عضوية لجنة تحضير نظام محاكم الباشوات والقواد بالمنطقة الخليفية.
- المساهمة في تأسيس المعهد العالي للتعليم الديني بتطوان، والتدريس به.
خط قلمه تأليف كثيرة منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو مخطوط:
- الأبحاث السامية في المحاكم الإسلامية.
- الروض الباستم من غيث نظم ابن عاصم وهو شرح للتحفة يقع الآن في جزأین.
- منتهي الأمل من شرح العمل. وهو شرح للعمل الفاسي يقع في جزء واحد منجز.
- العقود الأبريزية على طرر الصلاة المشيشية مصدر بترجمة واسعة لمولاي عبد السلام بن مشيش صاحب الصلاة وقد نجز في جزء واحد.
- مبهج الحداق المحاذي للامية الزقاق.
- وهو نظم بعبارة سلسلة لما احتوت عليه لامية الزقاق مع بعض الزيادات منجز في جزء صغير.
- السبائك الذهبية على الأحكام القرآنية. وهو حاشية على أحكام القران لأبي بكر بن العربي المعافري يقع في جزأين. نوقش في إطار بحث جامعي بكلية أصول الدين بتطوان.
- النعيم المقيم في معاهد العلم ومجالس التعليم. في 9 أجزا، وهي فهرسة حافلة ضخمة.
- البيان المعرب عن تاريخ وسياسة ملوك المغرب. وقد طبع مؤخّراً عن مكتبة بيت الحكمة، وغيرها ممّا هو مذكور بقلم نجله الأستاذ أحمد المرير بموقع الفقيه المرير الإلكتروني، فليرجع إليه من شاء.
رسائل وتقاييد مختلفة:
- ترجمة مختصرة للسلطان المولى محمد بن عبد الله العلوي.
- “المقتطف اللطيف، من المقصد الشريف، لصلحاء الريف”.
- تقييد “إيضاح الدلائل والشواهد، في حكم أداء الصلاة في المقابر والمشاهد” أجاب به عن سؤال وجه إليه عام 1386.
- “النفحة النّدية، من أخبار الدولة السعدية”، تاريخ ملخص للسعديين، مع العناية بالظواهر الحضرية في دولتهم. ما وجد منه.
- تقييد: “قرة العيون، بحكم إقطاع بني ريسون”، (تم نشر المهم منه في الجزء الأول من النعيم المقيم).
- شرح أبيات سيدنا العباس، رضي الله عنه، لسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، شرع فيه عام: 1336هـ (ما وجد منها).
- تقييد: “الدرر المؤتلفة، في أقسام أل المعرفة”، (قيده في ربيع الثاني عام1335).
- تذييل حكم قضائي في نازلة شرعية، سماه: “الكشف المبدي، لحكم إراثة من قال: ملكي، ورثته عن أبي أو جدي، وعليَّ وقع التعدِّي” (ما وجد منه).
- محاضرة تحت عنوان: “العلم والعلماء، ومعناهما عند ملوك الإسلام”.
- تعليقات حول كتاب “الخلاصة” في علم العربية، (ما وجد منه).
- مقدمة شرح ألفية ابن مالك (ما وجد منه).
- تقاييد تتعلق بشؤون الأوقاف الإسلامية. (تعريف الوقف ومصطلحاته ـ مسألة الجلسة ـ مسألة شفعة ناظر الأوقاف ـ تقرير رفع للمجلس الأعلى للأحباس حول وفر الأوقاف).
- فتوى، بشأن الحاجة الملحة لإحداث صلاة الجمعة بمدينة الحسيمة.
- نوازل تتعلق بـ: الأيْمان والنذور ـ النكاح ـ البيوع، (وقع خرم بآخره).
- ملخص مناسك الحج.
- مسائل تتعلق بالقضاة والأحكام (ما وجد منها).
- رسالة في نظام الحسبة في الإسلام.
- تقييد أخذه عن شيخه محمد بناني الفاسي، الذي سماه: “إبداء الرشد والسداد، في تحقيق سؤال القرافي عن دلالة العام على بعض الأفراد”، وهو ضمن كناش يحتوي على أشعار وفوائد.
- شرح الرسالة العمرية في القضاء (ما وجد منها).
- شرح أبيات لأبي تمام (غير تام).
- “محادثة النديم، بصلاحية الشرع الإسلامي للحديث والقديم”،(لم يتمه).
- دفاتر تحتوي على فتاوى ورسائل وأجوبة وفوائد مختلفة.
يعدّ الفقيه سيدي محمد المرير من طبقة الفقهاء الأدباء، فقد أسهم إلى جانب علمه بالفقه وتمكنه فيه، بجملة وافرة من الأشعار، يغلب عليها الطابع التقليدي المعروف، وفي بعضها جودة، لكن لا يصحّ أن يعدّ من الشعراء. وبالإضافة إلى هذا فقد أوتي مهارة في النّثر، وبراعة في الأسلوب، فقد كان يكتب إلى أصدقائه المقرّبين بمكاتبات تتضمن أسلوباً رائعاً، وقد نشرنا على صفحات هذه الجريدة الغراء عددا من رسائله لصديقه سيدي البشير أفيلال، وشيخه سيدي أحمد الزواقي، وصديقه الحميم الوزير الشاعر سيدي محمد ابن موسى، كان يراسلهم بخصوص موسم المشمش، ويدعوهم إلى بستانه بأبي جرّاح، حيث يتطارحون المواضيع المهمة، ويسقطون الكلفة بينهم.
انتقل الفقيه العالم سيدي محمد المُرير إلى عفو الله ورحمته، بعد مرض قصير، عصر يوم الإثنين 15 محرم من عام 1398 موافق 26 دجنبر سنة 1977م، ووريَ الثّرى بزاوية سيدي يوسف حنصل بحومة أحفير من حارة البلد بتطوان، بعد الصلاة عليه بالمسجد الأعظم، حيث تقدم للصلاة عليه تلميذه العلامة الشريف سيدي البشير أفيلال، وأبّنه إثر ذلك بكلمة مؤثرة العلامة السيد محمد الطنجي. رحم الله الجميع.
بقلم : يونس السباح.
اترك تعليقك