fbpx
أحمد الزواقي - شيخ الجماعة

أحمد الزواقي – شيخ الجماعة

أحمد الزواقي أو الزُواق (الزواقي يضم الزاي لا غير، و يستعمل أيضا بدون ياء النسبة) الفقيه العلامة، شيخ الجماعة، مالك عصره فقها و ورعا، القاضي العدل، المدرس المتقن، أبو العباس أحمد بن الطاهر الزواقي الجنوني الحسني، ولد بتطوان عام 1276ه – 1860م، بعيد هجرة سكانها عنها بعدما دخلتها الجيوش الإسبانية، و قدم جده الرابع أو الخامس من مدشر الزواقين من قبيلة بني مسارة مقر أسلافه الكنونيين القاسميين الحسنيين، وكان والده رجلا صالحا حسن النية حافظا لكتاب الله تعالى، يتعاطى عمل البناء، وكان يدعو الله أن يرزقه ولدا عالما، فرزقه الله بابنه هذا أحمد الذي صار عالما فقيها مفتيا قاضيا مدرسا نبيلا، وبأخيه محمد الذي كان فقيها أديبا شاعرا مجيدا و مدرسا متقنا، وكان بكل واحد منهما خلق، فكان خلق أحمد منذ الصغر الإنطواء على النفس والعزلة و النفور من اللعب مع الأقران، طبعا طبع عليه، وكان خلق أخيه الإنبساط وحب اللعب والمرح و المزاح و الصحبة. وظل كل منهما بعدما كبرا على تلك الأخلاق التي أعانت الأول على ما كان بصدده و هو يقوم بمهام القضاء و الإفتاء، و الإمامة، فعرف بالصرامة في الحق و الوقوف إلى جانب المظلوم و عدم التهاون في أحكام الشرع إلا بعد مراجعته و معرفة موقفه، وكان الثاني رجلا يشتغل بالإدارة و السياسة حتى وصل إلى النيابة عن الصدر الأعظم أحمد الركينة في مهامه، وأعانه خلقه ذاك على الإضطلاع بالمهام السياسية ومهام الكتابة الحكومية التي تتطلب المرونة ومراعاة أحوال الناس وظروفهم.

وعندما بلغ مترجمنا سن التعليم أقرأه والده القرآن فحفظ منه ما تيسر، ثم أدخله الكُتاب فحفظ القرآن على الفقيهين الصالحيْن أحمد العروسي و محمد البوزراتي. ثم شرع يحفظ المتون العلمية كالأجرومية و الألفية و نظم ابن عاشير و المختصر، وحضر مجالس فقهاء تطوان مثل الفقيه القاضي محمد بن علي عزيمان و الفقيه المفتي العدل محمد السلاوي، و الفقيه محمد بن أحمد البقالي و الفقيه المكي بن عبد الوهاب العلمي، و الفقيه الطيب اليعقوبي الحسني، و كان هؤلاء صفوة علماء تطوان في هذا العصر، ثم تاقت همته للإلتحاق بفاس للدراسة بها في جامع القرويين الشهير، وساعده والده على ذلك، فرحل إليها عام 1297ه، وبقي بها إلى أواخر شعبان من عام 1305ه و خلال هذه المدة قرأ أنواع العلوم اللغوية و الشرعية على أعلام علماء الحضرة الفاسية، و هم شيخ جماعتها الفقيه العلامة الكبير أحمد بن محمد الخياط الذي كانت له صلة كبيرة بوالد المترجم، فكان يرعى مترجمنا و يحوطه بأكبر عناية، و أدرك المترجم ذلك فاتخده أبا روحيا في الظاهر و الباطن و لازم دروسه في الفقه و التفسير و الحديث و التصوف، و شيخ الجماعة بها كذلك العلامة محمد بن المدني كنون، و العلامة عبد بن الملك محمد بن التهامي الوزاني و العلامة أحمد بن الجلالي الأمغاري، و كذلك العلماء الأجلة أحمد بناني التجاني، و أحمد بن عبد الرحمان السجلماسي و الهادي الصقلي و محمد بن عمر الوزاني و محمد القادري والتهامي بن المدني كنون، وبعدما أنهى دراسته بفاس رجع إلى مسقط رأسه تطوان وقد استوفى مراده من التعليم، فصار حافظا للمذهب، مطلعا على علوم اللغة العربية من نحو و صرف و بلاغة و غيرها، و على علوم الشريعة من تفسير و حديث و فقه و أصول وغيرها، وعلى الشريعة من تفسير وحديث و فقه و أصول وغيرها، فتصدر لنشر التعليم و إرشاد الخلق، قاصدا بذلك وجه الله تعالى و الدار الآخرة، فانتفع به الطلاب و كثيروا بين يديه، وكان يتعاطى مع ذلك مهنة العدالة، ومنذ عام 1310ه – 1892م أخد يتعاطى الفتوى وقد تحدث تلميذه الفقيه الرهوني عن نشاط شيخه الزواقي في مجال التعليم بعد قدومه من فاس فقال : “قبل وصوله إلى تطوان كنا في جمع وافر من الأشياخ و طلبة العلم، فقال لنا شيخنا السيد محمد الآبار : إنه قادم عليكم عالم كبير محقق، فالزموا دروسه تربحوا. فلما قدم أقبلنا عليه إقبال الظمآن على نهر الريان، فما لبث أن فتح معنا مختصر خليل بشرح الدردير في الجامع الأعظم بتطوان و الأجرومية و الألفية حتى لازمناه على ذلك نحو خمس سنين لم يفتر فيها عن التعليم إلى أن دعاه لطنجة النائب السلطاني إذ ذلك السيد الحاج محمد الطريس للكتابة معه، فأجاب وذهب إليه، فاسودت الدنيا في وجوهنا وارتحلنا لفاس عام 1309ه”.

وذكر الرهوني في تاريخه أنه قرأ عليه كذلك في هذه الفترة دروسا في اللامية، و الشمائل و المرشد المعين و جمع الجوامع، وقضى الشيخ الزواقي مدة غير طويلة بدار النيابة، في طنجة كاتبا لدى النائب السلطاني بها محمد الطريس، لكنه ضاق ذرعا بهذا العمل، وكره ما كان يرى من تطاول الأجانب على الشرع و سلطة المخزن، وما كان رجال السلطة المغربية مضطرين إليه من مجاملة الأجانب و استرضائهم، و هو المسلم الغيور على دينه و وطنه، فاستعفى من هذا العمل، فأعفي، فرجع إلى تطوان ليقوم بمهام التدريس و الإقتناء و الإمامة بجامع السوق الفوقي كما كان شأنه قبل ذلك، و قد أقرأ خلال هذه الفترة مختصر خليل، ما يقرب من ثلاث ختمات، بشروح الدردير و الخرشي و الزرقاني، وموطأ مالك و صحيح البخاري و مسلم، وشمائل الترميدي و جمع الجوامع و تلخيص المفتاح للسكاكي و نظم الطيب ابن كيران في البيان و سلم الأخضري في المنطق و التحفة و الزقاقية و المرشد و الهمزية و البردة و الرسالة.

ثم اسندت إليه مهام التدريس بالزاوية الريسونية، فدرس بها الصحيحين والموطأ و الهمزية ونظم ابن عاشير و الرسالة، وكان يلقي دروسا كذلك في جامع السوق الفوقي حيث كان يخطب ويؤم، ومن الكتب التي أقرأها بهذا المسجد الشمائل والشفا لعياض.

وقد حج في حدود عام 1326ه – 1908 م، و حج مرة ثانية عام 1331ه – 1914م، و صادف في هذه الحجة الثانية وجود الشيخ محمد بن جعفر الكتاني بالمدينة المنورة، وكان هذا الحج في نطاق الهجرة من أرض الوطن، بعدما دخلت تطوان القوات الإستعمارية الإسبانية، حين فضل كثير من أهل تطوان الهجرة منها و من بلادهم على البقاء بها بعدما داستها أقدام الإستعمار.

وكان الشيخ يتمتع من قبول الوظائف الحكومية وخاصة منصب القضاء الذي عرض عليه مرارا، و قد رأى في منامه من يقول له : “من سعى لك في الخدمة مع المخزن يموت على سوء الخاتمة، فتباعد الوسطاء من التوسط له في الخدمة في الوظائف المخزنية” لكنه صار في النهاية يرى أنه لم يتول منصب القضاء يتولاه غيره ممن لا يحسن القيام عليه، فيقع الجور، فقبل أن يتولاه بعد وفاة قاضي الجماعة بتطوان التهامي أفيلال عام 1339ه – 1920م، وبقي قاضيا ثلاث سنوات حتى ضاق بالمنصب، فاستعفى فأعفي، وفي عام 1344 ه – 1926م عين أستاذا خاصا للخليفة السلطاني المولى الحسن بن المهدي بقرار صدر عن رئيس الوزراء (الصدر الأعظم) محمد بن عزوز في التاريخ المذكور.

وقد توثقت علاقة المودة و المحبة بين الشيخ و تلميذه الخليفة الذي تأثر به و بزهده و صدقه وقوة إيمانه و تمسكه بالشريعة، و استفاد من علومه، ولهذا كان يجله ويعظمه و يذود عنه و يدافع عنه فيما كان يقضي به حين كان الخصوم ورجال الدولة الحامية يعترضون على أحكامه و عدم مبالاته بالقوانين التي كانت تصادم نصوص الشريعة و مقتضيات العدل و الإنصاف، و كان الخليفة لا يرد له طلبا، و بقي كذلك يسعى في مرضاة الشيخ حتى توفاه الله إليه.

وقد أسند للفقيه الزواقي عام 1346ه – 1927م منصب مشيخة العلوم و المعارف الإسلامية العالية، وطالبت جريدة “الإصلاح” قبل ذلك أن تنظم وزارة للمعارف الاسلامية وتسند إلى “شخص عالم عارف كشيخ الجماعة الفقيه الكبير العلامة الشهير أبي العباس سيدي أحمد الزواقي قاضي العاصمة سابقا الذي أصبح اليوم من الأفراد الذين لا يتجاوز عددهم بجميع المغرب أصابع اليدين علما و عملا و اكبابا على نفع العباد بعلمه الفياض آناء الليل و أطراف النهار”

وبعد عامين من التاريخ المذكور، عين المترجم قاضيا بالقصر الكبير، فعدل في الحكم و سلك مسلك الجد و الإجتهاد، لا يخاف في الله لومة لائم، و غاظ ذلك بعد رجال السلطة، -وقد أخبرت أنه القائد الملالي الذي كان معروفا بالإستبداد و الظلم- فدبر مكيدة لقتل الفقيه، الذي أسقطت عليه رحى كبيرة من أحد السطوح ليلا بينما كان مارا في طريقه للصلاة بالمسجد ، فاستعفى و رجع إلى تطوان معززا مكرما.

وفي عام 1353ه – 1934م عين المترجم قاضيا على تطوان للمرة الثانية، عندما أسس المعهد الديني العالي بتطوان 1367ه- 1947م عين الفقيه الزواقي أول شيخ و المشيخة تعنى العمادة، فكان يقوم بإدارة المعهد، وفي نفس الوقت يلقي الدروس على الطلبة في مختلف العلوم الشرعية واللغوية، ثم تولى آخر عمره منصب قضاء الناحية بتطوان مع مشيخة المعهد ولدى هذا القضاء كانت تستأنف أحكام المحاكم الشرعية الإبتدائية، وكان قضاؤها يعرف اسم قضاء الدائرة.

وبقي يشغل المنصب المذكور حتى توفاه الله في 17 جمادى الأولى 1371ه – 13 فبراير 1952م.

ولعل أهم ما ميز حياة شيخ الجماعة الزواقي بالإضافة إلى صفات العدالة و النزاهة وغيرها من الصفات أنه لم ينقطع يوما عن التدريس و الخطابة و الإمامة رغم أعمال القضاء و الإفتاء التي كان يتولاها.

بقلم : الدكتور إدريس خليفة
المراجع : 
- حواش على بهجة التسولي  
- أحمد الرهوني : "حياة الشيخ" - مجلة الأنوار. (مارس أبريل 1952 ص 4 - 5)  
- عمدة الراوين 6 
جريدة الإصلاح العدد 229 عام 1346هـ - 1927م، العدد 223 عام 1345هـ - 1926م. 
- El institution religioso de Tetuan 593.

اترك تعليقك
تعليق
اسم
بريد إلكتروني

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.