المؤرخ عبد السلام بن أحمد السكيرج
ينحدر المؤرخ الفقيه العدل عبد السلام بن أحمد السكيرج من أسرة السكيرج الأندلسية التي هاجرت إلى المغرب واستقر أفرادها في مدينة فاس و تطوان سنة (1017هـ). واشتهرت هذه الأسرة بالعلم و الأدب إذ قدمت أعلاما أفذاذا في مختلف فقهاء وعدول. ولد مؤرخنا بتطوان عام المجالات والفنون ففيهم (1145هـ). وكباقي أقرانه التحق بالكتاب فحفظ القرآن على يد عدة مدررين قبل أنيأخذ مختلف العلوم عن مشاهير علماء بلدته وبلغ عددهم 27 شيخا، من بينهم: العلامة عبد الرحمان الحايك، والفقيه محمد التلمساني، والشيخ الطاهر الطنجي، والفقيه محمد السكيرج، والعلامة عبد السلام بن قريش، والعلامة الطيب بن رحمون، والفقيه محمدالصردو، والعلامة المحقق المدقق أحمد بن عجيبة. وقد أخذ عنهم مختلف العلوم التي كانت تدرس في تلك الفترة من فقه وحديث وتفسير ونحو وبلاغة وعروض. فقرأ عليهم كتبا مهمة مثل مختصر خليل بشرح الخرشي وحاشية الإمام الزقاق، والصحيحين، وألفية بن مالك، وعقيدةالسنوسي الصغرى المسماة أم البراهين، وحاشية اليوسي على كبرى السنوسي ومختصر سعد الدين التفتزاني في البلاغة، والخزرجية في العروض، ومنظومة الأخضري في المنطق، ولامية الزقاق، وبعضمن تفسير كلام الله العزيز. وبعد أن كرع من حياض علمهم ونهل من معرفتهم انتقل إلى فاس للأخذ من معين علمائها فدرس مختلف العلوم التي كانت تدرس في عهده بالقرويين والتي لا تختلف عما درسه في بلدته تطوان، ولا نعلم عدد شيوخه بفاس إذ لم يذكر في تاريخه إلا عالمين اثنين هما: العلامة محمد بن حسن البناني، وشيخ الجماعة بها الشيخ التاودي بن سودة، اللذين حظيا بالذكر والامتداد في تاريخه نزهة الإخوان. وقد درس عليهما مختصر الشيخ الخليل والتفسير وصحيح البخاري والسنوسية وألفية بن مالك.
وبعد أن تضلع في مختلف العلوم عاد إلى تطوان، وتزوج بها سنة 1242هـ،أنجب في نفس السنة ولده الوحيد (عبد الخالق) الذي تربى يتيما فقيرا عاميا اشتغل أول الأمر بصنعة الحياكة قبل أن يمارس مهنة البقالة فأمينا بالجديدة وهنا ابتسمت له الدنيا واغتنى بمال وفير إلى أن توفي عام (1308هـ) من غير عقب.
توفي مؤرخنا الفقيه عبد السلام السكيرج سنة (1250هـ)، ودفن بتطوان في مكان غير معلوم، إلا أن محقق كتاب نزهة الاخوان الأستاذ يوسف احنانة و بتأكيد من أكثر من مصدر يظن بأن يكون مؤرخ تطوان الأول قد دفن في الزاوية العيساوة بضريح للا عربية في حي العيون معللا رأيه بأن معظم سكان هذا الحي المشهورين دفنوا في هذه الزاوية.
تعددت مهن الفقيه عبد السلام بن أحمد السكيرج وتنوعت، إذ اشتغل في التدريس والتوقيت، غير أنه استقر في مزاولة خطة العدالة بحانوته الواقع تحت صومعة جامع العيون، وقد اكتسب صيتا طيبا ساعده على ذلك حسن خطه ودقة توثيقه، قبل أن يصبح في أواخر عمره إماما في زاوية الفاسيين قبالة القنى الكبير. واشتهر الفقيه السكيرج بحب المزاح والدعابة وبخفة الظل و كثرة البسط التي تخرج في بعض الأحيان عن اللياقة والأدب، وقد ذكر له الرهوني في تاريخه عدة حكايات تظهر عشقه للمزاح و تبرز خفة روحه وشدة مرحه.
كان الفقيه عبد السلام السكيرج قليل التأليف إذ لا نعثر في ثنايا المضان التي ترجمت له إلا عن مؤلفين اثنين هما:
– منظومة في لعب الكارطة يذكر فيها أسماء أوراقها وطريقة لعبها، وقد ذيلها بشرح، وتعتبر المنظومة وشرحها في حكم المفقود.
– “نزهة الإخوان وسلوة الأحزان فيالأخبار الواردة في بناء تطوان ومن حكم فيها أو تقرر من الأعيان ” وهو في الأصل كتاب ضخم يتكون من سفرين كبيرين مجموع صفحاتهما 500صفحة، كانت منه نسخة أصلية في طنجة بمكتبة الشيخ محمد بلعياشي السكيرج إلا أنها ضاعت في ظروف غامضة. ويرى العلامة الفقيه محمد المنوني رحمه الله أنه توجد قطعة أخرى منه في حوزة السيد محمد اللواجري التطواني عدد صفحاتها 203صفحة، وأوراق أخرى في حوزة بعض الأسر التطوانية. وذهب الفقيه محمد بوخبزة إلى أن ثمة أوراق من هذا الكتاب عند أسرة العطار وأسرة الفاسي. ويؤكد الأستاذ محمد بن عزوز حكيم أن هذا السفر قد ترجم كاملا إلى اللغة الإسبانية من طرف Climente Cerdera وقد وقف بنفسه على هذه الترجمة في الأرشيف الإداري العام بمدريد.
للمؤلف: الوهابي منشورات باب الحكمة
اترك تعليقك